رضي الله عنه سئل عن حقيقة الشيخ الواصل ما هو؟ فأجاب رضي الله عنه بقوله: أما ما هو حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رُفعت له جميع الحجب عن كمال النظر إلى الحضرة الإلهية نظرا عينيا وتحقيقا يقينيا، فأول الأمر هو محاضرة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف، ثم مكاشفة، وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، ثم مشاهدة وهو تجلي الحقائق بلا حجاب لكن مع خصوصية، ثم معاينة وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية، ولا يبقى للغير والغيرية عينا وأثرا، وهو مقام الحق والمحق والدك، وفناء الفناء، فليس في هذا إلا معاينة الحق للحق بالحق.
فلم يبق إلا الله لا شيء غيره ... ثم موصول ولا ثم واصل
ثم حياة وهي تمييز المراتب بمعرفة جميع خصوصياتها ومقتضياتها ولوازمها وما يؤول إليه أمرها وهو مقام إحاطة العبد بعينه ومعرفته بجميع أسراره وخصوصياته ومعرفة ما هي الحضرة الإلهية وما هي عليه من العظمة والجلال والنعوت العلية والكمال، معرفة ذوقية، ومعاينة يقينية، وصاحب هذه المرتبة هو الذي تشق المهامة في طلبه، لكن مع هذه الصفة فيه كمال أذن الحق له سبحانه وتعالى إذنا خاصا في هداية عبيده، وتوليته عليهم بإرشادهم إلى الحضرة الإلهية فهذا هو الشيخ الذي يستحق أن يُطلب، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لأبي جحيفة: (سل العلماء وخالط الحكماء واصحب الكبراء) وصاحب هذه المرتبة هو المعبر عنه بالكبير ومتى عثر المريد على من هذه صفته فاللازم في حقه أن يلقي نفسه بين يديه كالميت بين يدي غاسله لا اختيار له ولا إرادة ولا عطاء له ولا إفادة، وليجعل همته منه تخليصه من البلية التي أُغرق فيها، إلى كمال الصفاء بمطالعة الحضرة الإلهية بالإعراض عن كل ما سواها، ولينزه نفسه عن جميع الاختيارات والمرادات مما سوى هذا، ومتى أشار عليه بفعل أو بأمر فليحذر من سؤاله بلم؟ وكيف؟ وعلام؟ ولأي شيء؟ فإنه باب المقت والطرد وليعتقد أن الشيخ أعرف بمصالحه منه. وأي مدرجة أدرجه فيها فإنه يجري به في ذلك كله على ما هو لله بالله بإخراجه عن ظلمة نفسه وهواها، وأما الشيخ الذي هذه صفته كيف يتصل به وبماذا يعرف؟ فالجواب أن الشيوخ المتصفون بهذا الأمر كثيرون، وأغلبهم في المدن الكبار فإنها مقرهم وأما معرفتهم والاتصال بهم فإنه عسير أغرب وجودا من الكبريت الأحمر، لأنهم اختلطوا بصور العامة وأحوالهم، من سألهم عن هذه الحال نَفَّروه وطردوه، وحلفوا له ما عندهم من هذا الأمر شيء، والعلة الموجبة لهم لهذا أنه قد فسد نظام الوجود بمشيئة الحق