من مثل أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير العبدري، سفير رسول الله في المدينة قبل الهجرة وطبقًا لقول ابن إسحاق، فلم يكن هناك من قبيلة أوس من هم خارج دائرة الإِسلام سوى أوس مناة الذين ظلوا خارج دائرة الإِسلام حتى غزوة الخندق، وكان كل بيت مدني بيتًا للإِسلام على وجه التقريب.
وهناك حقيقة هامة خفيت بصفة خاصة عن الأنظار وهي أن تشكيل الأمة الإِسلامية في المدينة المنورة، وتوسيع الدولة الإسلامية، والنجاح والتوفيق العسكري والسياسي والاجتماعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان من ثمار الكفاح المجيد للعهد المكي، والحقيقة أن المستشرقين المغرضين والمؤرخين من أعداء الإِسلام يحاولون بخبثهم التآمر على هذا العهد المكي بالتقليل من الأثر الديني للحياة النبوية في العهد المكي، وهذه المؤامرة جزء من خططهم التي يريدون عن طريقها إثبات النظرية القائلة بأن الإِسلام لم ينشر تأثيراته الفكرية وتأثيراته الدينية بنفس القدر الذي نشر به قوته السياسية أو العسكرية، وهم يريدون أيضًا أن يوافقهم الناس على نظريتهم تلك.
ويرى بعض المؤرخين والمفكرين أن أفكار المساواة الاجتماعية في الإِسلام، وتصور الإِسلام للعدالة الاقتصادية كان سببًا في نشر الإِسلام، بينما الحقيقة هي أن نشر الإِسلام وبخاصة في مكة المكرمة إنما كان مرجعه إلى الجانب الديني، أما الجوانب الأخرى فكانت كلها جوانب ثانوية.
رسول أو حاكم:
فيما يتعلق بهذا الاتهام وهو أن الرسول يبدو في مكة رسولاً بينما يبدو في المدينة حاكمًا وسياسيًا، فسببه أن المستشرقين وأذنابهم حبسوا أنفسهم داخل التصور الضيق للدين، هذا بالإِضافة إلى افتقارهم إلى الإِحساس والشعور التاريخي أو نقصه لدى البعض منهم -وكذلك راجع إلى تعصبهم أو جهالتهم- ولما كان أكثر موجهي هذه التهمة من اليهود والنصارى الذين يمثل الدين لديهم