ولجأوا إلى الحبشة واتخذوها مهجرًا لهم.
ثم إن ما مرّ به الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من جراء محاصرة شعب بني هاشم ومقاطعتهم لهم مقاطعة اجتماعية إنما كانت مأساة استمرت مدة طويلة، وهى إن دلت فإنما تدل على قدرة المسلمين على الصبر وضبط النفس.
وفي سفر الطائف أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم قدرته على الصبر حين أخذ المشركون يقذفونه بالحجارة حتى نزل الدم من رأسه المبارك.
هذه التضحيات هي باب يضىء على درب الحركة الإسلامية، وهي مأثرة من التضحيات التي قدمها المسلمون الذين رفعوا لواء الإسلام، ولا يعرف حق هذه التضحيات غير خالق العالم جل وعلا قال الله تعالى في سورة التوبة آية 100: ((وَالسَّابِقُونَ الْأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَبَّعَوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) صدق الله العظيم.
إلا أن أعداء الإِسلام من المؤرخين يحتمون داخل خيمة التحقيق والتحليل، فيحاولون الإقلال من قيمة هذه التضحيات التي لا مثيل لها، ويرجعونها إلى مجرد عصبية دينية أو قبلية والمؤرخون النصارى إنما يقللون -بطريقة شعورية أو غير شعورية- من تضحيات مسلمى العهد المكي عن قصد أو عن غير قصد حتى يمكنهم إيجاد مبرر لفرار بل وغدر حواريي المسيح عليه السلام وقت الشدة والمحنة، أما المؤلفون اليهود فهم عن طريق هذا يريدون توجيه الأنظار بعيدًا عما حدث من حركات غير أخلاقية في صحراء سيناء من المتآمرين ومثيري الفتن على سيدنا موسى عليه السلام.
وطبقًا للروايات الإِسلامية، وطبقًا للترتيب والتطور التاريخي للأحداث فإنه يثبت أيضًا أن قريشًا في مكة قاموا بتضييق الخناق، وحصار المسلمين فضيقوا على المسلمين سبل الحياة حتى اضطروا في النهاية إلى الهجرة من أرضهم