ومن العجيب أيضًا أن يقبل بعض المؤرخين المسلمين هذا الرأي القائم على التحليل الوهمي والبعيد كل البعد عن الواقع التاريخي، بل بدأوا يضيفون قولهم: إن من قبلوا دعوة الأنبياء وفي البداية كانوا هم الضعفاء الفقراء وهذا يصدق على الأنبياء السابقين إلى حد ما كما يتضح من بعض آيات القرآن الكريم، مثلَما يصدق أيضًا من خلال مصادرنا حين تشير بعض الروايات والتعليقات العامة إلى أن المسلمين الأوائل كانوا ينتمون إلى طبقات ضعيفة، ولكن هذا التحليل غير صحيح على إطلاقه.

والحقيقة أن الذين قدموا نظرية أن المسلمين الأوائل كانوا ينتمون إلى طبقات ضعيفة معدمة، كانوا يرمون من وراء ذلك إلى هدف آخر، وكانوا يريدون الخروج بنتيجة منطقية عن طريق هذا الهدف البعيد، وقد وصلوا إلى مرامهم فيما بعد وتمثل هذا في أنه لما كان مسلمو العهد المكي فقراء معدمين من هنا اضطروا إلى الهجرة من عالم الفقر هذا إلى المدينة المنورة، حيث كانت الحالة الاقتصادية هناك تختلف عما كانوا عليه قبلاً في مكة، ولهذا تحمل المهاجرون المسلمون مشقة الهجرة الشديدة وقد حاول هؤلاء المؤرخون أن يثبتوا في الأذهان أن نظرة هؤلاء المسلمين الأوائل كانت مُنْصَبّة على الوصول إلى حالة من الرخاء الاقتصادي تخرجهم مما كانوا فيه من فقر وعسر. وهكذا قالوا بأن المسلمين، طبقًا لعادات العرب ودستورهم، بدأوا سلسلة من الإغارة والهجوم على القوافل التجارية والقرى القريبة ونتيجة لهذا الهجوم وهذه الإِغارة بدأت سلسلة الغزوات والسرايا بين المسلمين وغير المسلمين.

ولم يفهم المؤرخون المسلمون ما تضمره هذه الخطط والأهداف الخطرة بعيدة المدى للمؤرخين أعداء الإسلام والكائدين له، ولهذا أخذوا يحللون ويدرسون أقوال هؤلاء المؤرخين ثم كان من المستلزمات الحتمية لدخول تأثيرات غير إسلامية على المسلمين، أن اعتبر المسلمون الفقر والفاقة أمورًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015