الأول بعد نزول الوحي، إذ لم تحفظ الآيات المنزلة بتمامها في قلب النبي فقط، بل قام صلى الله عليه وسلم بتعليم صحابته ما أنزل عليه، وتلاوته، وتحفيظه لهم، وهناك حقيقة مهمة وشيقة وهي أنه -علاوة على المسلمين والمؤمنين- فإن أعداء الإسلام أيضًا قد حفظوا الكثير من آيات القرآن، ويُعرف من الروايات أن مشركي مكة كانوا يذهبون خفية فيستمعون إلى تلاوة الرسول للقرآن في الصلوات، ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يتلو القرآن الكريم أثناء تبليغه للدين الحنيف في أوقات عديدة مستشهدًا بها في المواضع المناسبة، وكان هذا هو الحال بالنسبة للصحابة أيضًا، إذ تصادفنا في كتب التاريخ أكثر من واقعة تأثر بها الكفار بعد سماعهم لتلاوة أبي بكر الصديق وغيره للقرآن الكريم.
والطريقة الثانية أنه منذ العصر المكي الأول قام صلى الله عليه وسلم بمهمة حفظ القرآن الكريم مكتوبًا. ويفهم من روايات التاريخ الإسلامي المتعددة أن عددًا من الصحابة الكرام في مكة المكرمة قد كلفوا بمهمة كتابة القرآن الكريم. وهذا صحيح وتعترف به المصادر والمراجع الإسلامية، وتوضح أيضًا أن القرآن الكريم لم يكن مرتبًا في صورة كتاب في العهد النبوي، بل وُجد مكتوبًا على أشياء. متعددة ومختلفة إلا أن الحقيقة التاريخية التي لا يمكن لأحد أن ينكرها هي أن القرآن الكريم قد حفظ مكتوبًا داخل فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى أنه حفظ في فؤاد وعقل مئات بل آلاف من الحفاظ. وهذه أيضًا حقيقة أو مسلمة تاريخية. إذ إن عددًا من كتاب الصحابة كان كل منهم قد أعد صحيفة في العهد النبوي كتب فيها معظم السور وهكذا، وبالنسبة لقضية تدوين القرآن الكريم نقول بأن القرآن كله من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، كما هو موجود اليوم في شكل المصحف المتداول هو بذاته ما حفظ في ذاكرة الصحابة، وما كتب في صحائفهم، وعلى أشياء متعددة ومتنوعة.