ويدعى فيليب حتى أن بيانات وتصريحات ليون كيتاني، وبيكر وغيرهما من المؤرخين الجدد، وأن المؤرخين العرب القدامى قد أهملوا تمامًا هذا الجانب الاقتصادي للفتوحات الإِسلامية، وهكذا ينقل نص خطاب الخليفة الأول من فتوح البلدان للبلاذري، والذي كتبه لعرب مكة والطائف واليمن ونجد والحجاز، يدعوهم للمشاركة في الجهاد الإسلامي دافعًا إياهم مشجعًا لهم بما قد يحصلون عليه من أموال الغنيمة. " ولم يثبت سوى بيت من الشعر عن شجاعة القائد الإيراني رستم يخدم به مفاهيمه وأهدافه ". ولقد ترك بعض المؤرخين النظرية القائلة بالأهداف الاقتصادية الخالصة، ولا شك أن بعض المؤرخين المتصلبين لا يزالون يتعلقون بها، والسبب في ذلك هو أن هذه النظرية مبنية على مزاعم عديدة وغير مقبولة، لأنها أولاً تقرر أن الفتوحات الإِسلامية هي عبارة عن حلقة من سلسلة الهجرات السامية المغرقة في القدم، وبناء عليه وبعد الإسلام حدثت زيادة كبيرة بين السكان العرب وبسرعة هائلة مما مثّل بدوره ثقلاً اقتصاديًا، وجعل معيشتهم تواجه صعوبات متنوعة، وبسبب هذا اتخذت الهجرة العربية السامية الجديدة شكل الفتوحات. وقد أبطل المؤرخ فرانسسكو جبرائيل النظرية القائلة بالضغط السكاني الذي نتج عنه هجرة اقتصادية لأنه لا يوجد إثبات يدل على الزيادة في السكان منذ ذلك التاريخ، وبعد مجىء الإسلام، بل أكثر من هذا يقول إن العرب الفاتحين طوال فترات فتوحاتهم الطويلة لم يفرحوا أو يُسروا بالسكن بالمناطق كثيرة السكان، أو يفرحوا بالإِقامة في المناطق التي فتحوها، وكانوا بعد الفتح يفضلون في معظم الأحيان العودة إلى مناطقهم الصحراوية، ثم حتى زمان خلافة عمر ظلت سياسة الحكومة ألاّ تسمح للعرب بالإِقامة بالبلاد المفتوحة، وطبقًا لقول جبرائيل: إن بين الصحراء برمالها والعرب محبة قديمة، استمرت حتى مع العهد الأموي، لدرجة أن خلفاء بني أمية كانوا يفضلون بناء قصورهم في الصحراء والبادية وكانوا يقضون فيها كثيرًا من أوقاتهم.