المقدمة

منذ بدء الخلق اقتضت إرادة الله - عز وجل - أن لا يُعبد سواه، فكانت دعوة الرسل متفقة على توحيد الله - عز وجل -، وعبادته وحده لا شريك له، وعلى هذا أطبقت دعوات الرسل عليهم السلام، فما من رسول إلا دعا أمته إلى توحيد الله - عز وجل -، وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، وقد كان كل نبي يُبعث في قومه خاصة، ولما أراد الله - عز وجل - أن يكون نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا إلى الناس كافة، معززاً الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وعبادته وحده لا شريك له، أرسله إلى الناس كافة؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (?)، ولم تكن رسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قاصرة على بني آدم، بل تشمل الجن قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (?)، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - اجتمع بالجن ودعاهم إلى الإسلام، فلا يسع أحدا من الجن والإنس سمع به منذ نبوته - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة إلا الإيمان به ومن لم يؤمن به - صلى الله عليه وسلم - ويتبع الحق الذي جاء به كتابا وسنة فهو من الخاسرين، وقد قال الله تعالى في شأن تكليف الجن باتباع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} (?)، قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما: "كَانُوا سَبْعَة من جن نَصِيبين فجعلهم رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رسلا إِلَى قَومهم" وفي قَوله: فجعلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسلا إِلَى قَومهم دليل على أَنه كَلمهم بعد ذَلك (?)، وَلهذَا {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (?)، وكان سبب صرفهم إليه - صلى الله عليه وسلم -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015