بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (?)، تلقى المصطفى أمر ربه، مؤمنا مصدقا بعظمة الخالق - عز وجل - لكل شيء، وعزَم على حمل الأمانة، والقيام بمسؤولية هداية الثقلين، هداية دلالة وإرشاد وتوجيه، فاصطفى الله - عز وجل - له من شاء من عباده، لنصرته ومؤازرته.
لن نتعرض لنشأة رسول الله نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وسنتجاوز المرحلة الأولى مرحلة العهد المكي؛ لأن ذلك لا يجهله أحد من المسلمين، وإن وجد من يجهله منهم فهم الغثاء من الأمة المحمدية، الذين أخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم من الكائنين في آخر الزمان، وسنبدأ من العهد المدني الذي تحقق فيه إعلاء كلمة الله - عز وجل -، وكانت وقعة بدر يوما مشهودا في بداية انتصار الحق على الباطل، وما تلاها من انتصارات أسست شأن الأمة المحمدية، في جزيرة العرب أولا، وكان يوم الفتح العظيم في السنة الثامنة من الهجرة النبوية، دخل الناس في دين الله أفواجا، ولئن كان خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة سرا متخفيا ليلا من أسفلها، فقد أبا اللهُ - عز وجل - إلا أن يعود نهارا عيانا بيانا من أعلاها، خاشعا لربه متواضعا شاكرا حامدا، أعزه الله - عز وجل - في يوم أذل فيه قريشا بأجمعها، وكانت الرحمة المهداة غير متخلفة عن قريش الذين آذوا رسوله وطردوه، فلما تمكن منهم لم يظنوا به إلا خيرا لِما عرفوا من سيرته - صلى الله عليه وسلم -، وعفوه ورحمته، سألهم «يا أهل مكة، ما ترون أني فاعل بكم؟ » قالوا: خيرا أخ كريم، وابن أخ كريم، ثم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (?)، ارتبطت مكة بطيبة بعد هذا اليوم، واتجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نشر توحيد الله - عز وجل -، والدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتطهير جزيرة العرب من الأوثان، فبعث البعوث، واستقبل الوفود، وشرّع للناس ما يتعلق بعبادة ربهم، وسياسة دنياهم، أحاط به الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم -، وكانت المعجزات تتفجر في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأييدا