زَوَامِلُ لِلأَسْفَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا تَدْري المَطِيُّ إِذا غَدَا ... بِأَحمالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ
وكان يُقالُ: لا يؤْخَذُ العلم من كُتُبِيٍّ، ولا القرآنُ من مُصْحَفِيٍّ. وإنْ كانت الكتبُ في آخرِ الزمانِ خزائنُ العلوم؛ فإنَّ مَفاتيحَ مَغالِقِها الصُّدورُ، وقد كان العِلْمُ في الصَّدْرِ الأوَّل خزائِنُه الصدورُ ولم تكن كُتُبٌ، وصار في آخِرِ الزمانِ أكثرُه في الكتبِ وأقَلُّه في الصدور، وكثُرت الكتبُ بالشَّرْح والتَّأْلِيد والتَّفْسير لِمَا قال أهلُ المدينةِ وكَثُر التَّقْصير، وإن كان مُتَقَدِّمُو أهلِ المدينةِ أقلَّ تَكَلُّفًا مِن غيرِهم، وكانوا أَعْلَمَ الناس بالأُصولِ مِن الأحكامِ والسُّنَنِ، وما تكلَّم فيه الصحابةُ ومَن بعدَهم من التَّأويل، وما اخْتَلَفُوا من الحوادث، وإنَّما وُلِّفَتِ الكتبُ في القرن الثالث. قال مالك: لم يكنْ عندَ ابن شهاب كتابٌ إلاَّ كتابٌ فيه نَسَبُ قومِه. وكان عند أبي قلابة حِمْلُ بغْلٍ كتبًا , وإنَّما كَثُرَ حَمْلُ الفِقْهِ عن أهل المدينة على قِلَّةِ تكَلُّفِهم للتأليف والتأليد لحاجة الناس إليهم، ولم يضعْ مالك كتابًا غير الموطَّأ، لَمَّا سأله المنصور في تأليفه، فاقتصد فيه، ولم يُكْثِر، وأنت كما ترى قلة تكلفه قد نُقِلَ عنه إلى العراق نحوٌ من سبعين ألف مسألة. قال شيوخ البغداديين: هذا غيرُ ما زاد علينا أهلُ العراق ومصر والمغرب؛ لأن أهل الآفاق كانوا يقصدون إليه رحلة وبحثًا في الفقه والحديث، مع قصد الأمراء وغيرهم من بلده وسائر البلدان، في النوازل وغيرها، فكثُرت الحاجة إليه، هذا مع كثرة توَقُّفه في الفتوى، والهروب منها، وكثرة قوله: لا أدري. فتأمَّلْ هذا