كلَّه يدُلُّك على جلالة حال الرَّجُل في ذلك العصر الذي كان فيه خيار الناس وكثرة الرغبة إليه، واجتماع القول على نقائه وتمامه، واختيارهم لاختياره، وذلك لما تأكَّد عند أهل العصر من جلالته في الدين، والنفاذ في الفقه والحديث، وجودة العقل والسلامة من الريب، وقد ذكرنا في كتاب (الذبِّ) عن غير شيء من مذاهبه بعض مناقبه وأحواله، ومَحَلَّه عند أئمَّة الناس في عصره، جعلنا الله وإيَّاكم ممَّن اتَّبع سبيل الذين مَضَوْا بإحسان.

وإن كان مَن تقدَّم أهل المدينة يكرهون تأليد السُّؤَال، قال مالك: لم يكن الذين مضوا أكثر الناس مسائل، وأُراهم إنَّما يكرهون التكلُّف إلى ما ينتهي إلى التنطُّع، ولا يكرهون ما يُبَيَّنُ به للمتَعَلِّم مُشْكِلاً، وما يَعرِض من النوازل، وكان يقال: إذا نزل الشيء أُعِينَ عليه صاحبه، ولعمري إن السؤال يفتح العلم. قال ابن شهاب: العلم خزائن ويفتحها السؤال. وقال غيره: السؤال نصف العلم. قال ابن عباس: يُحْتاجُ للعلم لسانٌ سئولٌ، وقلب عَقُولٌ. وربما قال زيد بن أسلم لبعض من يخلط في سؤاله: اذهب فتعَلَّمْ تَسَل، ثم تأتي.

قال أبو محمد: وذكرت -وفَّقنا الله وإيَّاك إلى مَحَابِّه- ما كَثُرَ من الكتب مع ما قلَّ من الحرص والرغبة، وضَعُفَ من الطلب والعناية، والحاجة إلى ما افترق في كثرة الكتب من شرح وتفسير وزيادة معنًى شديدة، ورَغِبْتَ في أن نستثير العزيمة وتفتح بابًا إلى شدَّة الرغبة بما رغبتَ فيه من اختصار ما افترق من ذلك في أُمَّهات الدواوين من تآليف المتعقِّبين، وذكرْتَ أن ما في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015