ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة وفي هذه السنة سارت طائفة من الترك من ديار مصر مع مملوك لتقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب اسمه قراقوش إلى إفريقية ونزل على طرابلس الغرب فحاصرها مدة ثم فتحها واستولى عليها وملك كثيراً من بلاد إفريقية.
وفيها سار نور الدين إلى بلاد قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان واستولى على مرعش وبهسني ومرزيان وسيواس فأرسل إليه قليج أرسلان يستعطفه ويطلب الصلح فقال نور الدين لا أرضى إلا بأن ترد ملطية على ذي النون بن الراشمنذ وكان قليج أرسلان قد أخذها منه فبذل له سيواس فاصطلح معه نور الدين فلما مات نور الدين عاد قليج أرسلان واستولى على سيواس وطرد ابن الراشمنذ.
وفيها سار صلاح الدين من مصر إلى الكرك وحصرها وكان قد واعد نور الدين أن يجتمعا على الكرك وسار نور الدين من دمشق حتى وصل إلى الرقيم وهو بالقرب من الكرك فخاف صلاح الدين من الاجتماع بنور الدين فرحل عن الكرك عائداً إلى مصر وأرسل تحفاً إلى نور الدين واعتذر بأن أباه أيوب مريض وخشي أن يموت فتذهب مصر فقبل نور الدين عذره في الظاهر وعلم المقصود.
ولما وصل صلاح الدين إلى مصر وجد أباه أيوب قد مات، وكان سبب موت نجم الدين أيوب بن شاذي المذكور أنه ركب بمصر فنفرت به فرسه فوقع وحمل إلى قصره وبقي أياماً ومات في السابع والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وكان عاقلاً حسن السيرة.