ولما وصل خبر الخطبة العباسية بمصر إلى بغداد ضربت لها البشائر عدة أيام وسيرت الخلع مع عماد الدين صندل، وهو من خواص الخدم إلى نور الدين وصلاح الدين والخطباء وسيرت الأعلام السود وكان العاضد المذكور قد رأى في منامه أن عقرباً خرجت من مسجد بمصر معروف ذلك المسجد للعاضد ولدغته فاستيقظ العاضد مرعوباً واستدعى من يعبر الرؤيا وقص ما رآه عليه فعبر له بوصول أذى إليه من شخص بذلك المسجد فتقدم العاضد إلى والي مصر بإحضار من بذلك المسجد فأحضر إليه شخصاً صوفياً يقال له نجم الدين الخوبشاني فاستخبره العاضد عن مقدمه وسبب مقامه بالمسجد المذكور فأخبره بالصحيح في ذلك ورآه العاضد أضعف من أن يناله بمكروه فوصله بمال وقال له ادع لنا يا شيخ وأمره بالانصراف فلما أراد السلطان صلاح الدين إزالة الدولة العلوية والقبض عليهم استفتى في ذلك فأفتاه بذلك جماعة من الفقهاء وكان نجم الدين الخوبشاني المذكور من جملتهم فبالغ في الفتيا وصرح في خطه بتعديد مساويهم وسلب عنهم الإيمان وأطال الكلام في ذلك فصح بذلك رؤيا العاضد.
وفي هذه السنة جرى بين نور الدين وصلاح الدين الوحشة في الباطن. كان صلاح الدين سار ونازل الشوبك وهي للإفرنج ثم رحل عنها خوفاً أن يأخذه فلا يبق ما يعوق نور الدين عن قصد مصر فنزله ولم يفتحه لذلك وبلغ نور الدين ذلك فكتمه وتوحش باطنه لصلاح الدين، ولما استقر صلاح الدين بمصر جمع أقاربه وكبراء دولته وقال بلغني أن نور الدين يقصدنا فما الرأي؟ فقال تقي الدين عمر ابن أخيه نقاتله ونصده وكان ذلك بحضرة أبيهم نجم الدين أيوب فأنكر على تقي الدين ذلك وقال أنا والدكم لو رأيت نور الدين نزلت وقبلت الأرض بين يديه بل اكتب وقل لنور الدين أنه لو جاءني من عندك إنسان واحد وربط المنديل في عنقي وجرني إليك سارعت إلى ذلك وانفضوا على ذلك ثم اجتمع أيوب بابنه صلاح الدين خلوة وقال له لو قصدنا نور الدين أنا كنت أول من يمنعه ويقاتله ولكن إن أظهرنا ذلك يترك نور الدين جميع ما هو فيه ويقصدنا ولا ندري ما يكون من ذلك وإذا أظهر ناله الطاعة تمادى الوقت بما حصل به الكفاية من عند الله فكان كما قال.