ولما توفي العاضد جلس صلاح الدين للعزاء واستولى على قصر الخلافة وعلى جميع ما فيه وكانت كثرته تخرج عن الإحصاء وكان فيه أشياء نفيسة من الأعلاق الثمينة والكتب والتحف
فمن ذلك الجبل الياقوت وكان وزنه سبعة عشر درهماً أو سبعة عشر مثقالاً، قال ابن الأثير مؤلف الكامل: أنا رأيته ووزنته. ومما حكي أنه كان بالقصر طبل للقولنج إذا ضرب الإنسان به ضرط فكسر، ولم يعلموا به إلا بعد ذلك، ونقل صلاح الدين أهل العاضد إلى موضع من القصر ووكل بهم من يحفظهم واخرج جميع من فيه من عبد وأمة فباع البعض وأعتق البعض ووهب البعض، وخلا القصر من سكانه وكأن لم تغن بالأمس. ولما اشتد مرض العاضد أرسل إلى صلاح الدين يستدعيه فظن ذلك خديعة ولم يمض إليه فلما توفي علم صدقه فندم لتخلفه عنه، وجميع من خطب له منهم أربعة عشر خليفة: المهدي، والنائم، والمنصور، والمعز، والعزيز، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر، والحافظ، والظافر، والفائز، والعاضد. وجميع مدة خلافتهم من حين ظهر المهدي بسلجماسة في ذي الحجة سنة ست وتسعين ومائتين إلى أن توفي العاضد في هذه السنة أعني سنة سبع وستين وخمسمائة، مائتان واثنتان وسبعون سنة تقريباً وهذا دأب الدنيا لم تعط إلاّ واستردت ولم تحل إلا وتمررت. ولم تصف إلاّ وتكدّرت. بل صفوها لم يخل من الكدر.