بات يعيشها باتر
يعدل في أسواقها وجائر
* * *
يقال: ما معنى الاستفهام هاهنا، وقد علم أن من يمشي على صراط مستقيم أهدى ممن يمشي مكباً؟
والجواب: أنه إنكار وتبكيت وليس باستفهام في الحقيقة؛ لأن الاستفهام إنما يكون عن جهل من المستفهم بما يستفهم عنه، وهذا لا يجوز على القديم تعالى، ومثل هذا الإنكار قوله تعالى: {أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] .
وكذلك قوله تعالى: {آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: 143] فأما قوله: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] ، فإنما جاز هذا وقد علم أنه تعالى لا خير مما يشركون من قبل أنهم كانوا يعتقدون أن فيما يشركون خيراً، فخاطبهم على قدر اعتقادهم من جهة التبكيت لهم والإنكار عليهم، وفيه حذف والتقدير: أعبادة الله خيراً أم عبادة ما يشركون، مثله: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ} [يوسف: 39] .
ويقال: أكب الرجل على الرجل فهو مكب، وكببتُهُ أنا، وهذا من نوادر الفعل، وذلك أن (أًفْعَلَ) لازم و (فَعَلَ) متعد، والأصول المقررة بخلاف ذلك، نحو قولك: قام وأقمته وخرج وأخرجته، فيكون (فَعَلَ) لازما في مثل هذا، و (أَفْعلَ) متعدياً، ومثل (أًكَبَّ) قولهم: أنزفت البئر، إذا ذهب ماؤها، وأنزفتها أنا، وأقشع الغيم، وقشعته الريح، وأنسل ريش الطائر، ووبر البعير إذا تقطع وسقط، ونسلته أن نسلاً، وأمرت الناقة، إذ رد لبنها، ومريتها أنا إّذا استدررتها بالمسح، وأشنق البعير إذا رفع رأسه، وشنقته أنا إذا مددته بالزمام، وقال الله تعالى في (كبَّ) متعدياً: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل: 90] ، وكذلك: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94] .