عارضوا بين كثير من النصوص والقياس، ثم اضطربوا: فتارة يقدّمون القياس، وتارة يقدمون النص، وتارة يفرقون بين النص المشهور وغير المشهور، واضطرهم ذلك أيضًا إلى أن اعتقدوا في كثير من الأحكام أنها شرعت على خلاف القياس، فكان خطأهم من خمسة أوجه: أحدها ظنّهم قصور النصوص عن بيان جميع الحوادث.
الثاني: معارضة كثير من النصوص بالرأي والقياس.
الثالث: اعتقادهم في كثير من أحكام الشريعة أنها على خلاف الميزان والقياس، والميزان هو العدل فظنوا أن العدل خلاف ما جاءت به من هذه الأحكام.
الرابع: اعتبارهم عللًا وأوصافًا لم يعلم اعتبار الشَّارع لها وإلغاؤهم عللًا وأوصافًا اعتبرها الشَّارع -كما تقدَّم بيانه-.
الخامس: تناقضهم في نفس القياس -كما تقدَّم أيضًا-" (?).
ثمَّ قال في بيان فضل الصحابة في العلم على من بعدهم: "هذا فيما انفردوا به عنّا، أمَّا المدارك التي شاركناهم فيها -من دلالات الألفاظ والأقيسة-؛ فلا ريب أنهم كانوا أبرَّ قلوبًا، وأعمق علمًا، وأقلَّ تكلفًا، وأقرب إلى أن يوفقوا فيها لما لم نوفّق له نحن، لما خصهم الله -تعالى- به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك وسرعته، وقلّة المعارض أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الرّب -تعالى-، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصولين، بل قد غنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم إلّا أمران:
أحدهما: قال الله -تعالى- كذا، وقال رسوله كذا ..