كان ذلك الشيء الآخر مخالفًا للشيء الأوّؤل -لونًا، وطَعمًا، وريحًا- كاستحالة العَذِرَةِ رمادًا.

وقد أوضحت ذلك في كتابي "دليل الطالب" فليراجع، وحققه الماتن في "ويل الغمام"، و"السيل الجرار"، وغيرهما.

(لعدم وجود الوصف المحكوم عليه)؛ يعني: فَقَدْ فَقَدَ الوصفَ الذي وقع الحكم من الشَّارع بالنّجاسة عليه، وهذا هو الحق.

والخلاف في ذلك معروف".

قال الفقير إلى عفو ربه: قال ابن القيم -رحمه الله-:

"طهارة الخمر بالاستحالة على وَفْق القياس؛ فإنها نجسة؛ لوصف الخبث، فإذا زال الْمُوجِب زال الْمُوجَب، وهذا أَصل الشريعة في مصادرها ومواردها؛ بل وأَصل الثواب والعقاب.

وعلى هذا؛ فالقياس الصحيح تعديةُ ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت، وقد نبش النبي - صلى الله عليه وسلم - قبور المشركين من موضع مسجده، ولم ينقُلِ التراب، وقد أَخبر الله -سبحانه- عن اللَّبَن أَنّه يخرج من بين فرَث ودم، وقد أَجمع المسلمون على أنّ الدّابة إذا عُلِفت بالنّجاسة ثمَّ حُبست، وعلِفَت بالطاهرات؛ حلَّ لبنُها ولحمُها، وكذلك الزرعُ والثمار إذا سُقِيَتْ بالماءِ النّجس، ثمّ سُقِيَتْ بالطاهر؛ حلّت؛ لاستحالة وصف الخبث وتبدّلِه بالطيّب، وعكس هذا؛ أَن الطّيب إذا استحال خبيثًا، صار نجسًا؛ كالماء والطعام إذا استحال بولًا وعَذِرَةَ، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبِيثًا، ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا؟! والله -تعالى- يخرج الطيِب من الخبيث، والخبيثَ من الطَّيِّب، ولا عبرة بالأَصل؛ بل بوصف الشَّيءِ في نفْسِه، ومن الممتنع بقاءُ حكم الْخَبَث، وقد زال اسمُه ووصفْه، والحكم تابع للاسم، والوصف دائر معه وجودًا وعدمًا، فالنّصوص المتناولةُ لتحريم المَيْتَة، والدّم، ولحم الخِنزير والخمر؛ لا تتناول: الزروع والثمار، والرَّماد والملح، والتراب والخلّ؛ لا لفظًا ولا معنى، ولا نصًّا ولا قياسًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015