هذا وينبغي أن لا يغض الطرف عن ماهية السبب وتماميته. فإذا كانت ذاته معرفة للحكم، أو مفضية إليه، فإن تماميته تقتضي أن يستقل به، ويميزه عن غيره، فقد يكون السبب يناسبه التغليظ في الحكم ويتحقق هذا التغليظ بالتقييد فيقيد الحكم، وقد يكون السبب يناسبه التخفيف، ويتحقق هذا التخفيف في الإطلاق فيطلق الحكم.
مثل: القتل. فإنه وإن كان خطأ إلا أن فيه إزهاق روح ربما يفقد المجتمع به عضوا نافعا يرتجى منه فوائد كثيرة، كان المجتمع ينتفع بها. فناسبه التغليظ - والله أعلم - بتقييد الرقبة بالإيمان.
ومثل الظهار، فإنه لما لم يكن في ضرره بمثابة القتل الخطأ ناسبه - والله أعلم - التخفيف، بإطلاق الرقبة من كل قيد ومنه قيد الإيمان.
أضف إلى ذلك أن الإطلاق والتقييد مادام قد وردا على الحكم فإنهما يجعلان الحكمين مختلفين شخصا أو نوعا المركز عليهما في ثبوت الاختلاف أو انتفائه بين الحكمين فنبقى أمام حكمين مختلفين بسببين مختلفين، والاتحاد في الجنس لا يؤثر على هذا الاختلاف بالإزالة.
ولما سبق فإن النفس تميل إلى الحمل عند وجود العلة الجامعة بين المطلق والمقيد، وعدم الحمل عند انتفائها، ويطمئن القلب إلى ترجيح ذلك في هذه الحالة. والله أعلم بالصواب.
الحالة الخامسة: اتحاد الموضوع والحكم ويكون الإِطلاق والتقييد في سبب الحكم:
مثاله: ما ورد: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة "1.
وورد في رواية أخرى: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير وقال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير"2.