فالمدار عند القاضي الجرجاني - في مجال تفضيل نظم على آخر - هو جوهر الكلام، ومكانه وموقعه - كما ترى - وقد تأثر بهذه العبارة الأخيرة معاصره القاضي عبد الجبار المتوفى سنة 415 هـ فقال:

"اعلم أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة، ولا بد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة، وقد يجوز في هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التي تتناول الضم وقد تكون بالإعراب الذي له مدخل فيه، وقد تكون بالموقع. وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع، لأنه إما أن تعتبر فيه الكلمة، أو حركتها، أو موقعها، ولا بد من هذا الاعتبار في كل كلمة، ثم لا بد من اعتبار مثله في الكلمات إذا انضم بعضها إلى بعض. لأنه قد يكون لها عند الانضمام صفة، وكذلك لكيفية إعرابها وحركاتها وموقعها، فعلى هذا الوجه الذي ذكرناه إنما تظهر مزية الفصاحة لهذه الوجوه دون ما عداها (?).

وهكذا ألهمه القاضي الجرجاني بفصله الذي عقده في وساطته لمواقع الكلام، أن يخطو بنظرية النظم خطوة أخرى.

وربما كان أصرح مما ذكرناه، وأكثر وضوحاً، وأحسن شاهداً على تمثل القاضي الجرجاني لنظرية النظم التي كانت تدور بخلده ولا يستطيع الإفصاح عن مزاياها، قوله:

"وأقل الناس حظاً في هذه الصناعة (النقد) من اقتصر في اختياره ونفيه، وفي استجادته، واستسقاطه على سلامة الوزن، وإقامة الإعراب وأداء اللغة، ثم كان همه وبغيته أن يجد لفظاً مروقاً، وكلاماً مزوقاً، قد حشي تجنيساً وترصيعاً، وشحن مطابقة وبديعاً، أو معنى غامضاً قد تعمق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015