وأي وجه عدل بك عنها؟ ألم يجتمع لها كيت وكيت، وتتكامل فيه ذيه وذيه؟ وهل للطاعن إليها طريق؟ وهل فيها لغامز مغمز؟ يحاجك بظاهر تحسه النواظر، وأنت تحيله على باطن تحصله الضمائر (?).

وهكذا يذكر الجرجاني: أن من يحاجك في مثل هذه الصور السابقة إنما ينظر إلى ظاهر تحسه النواظر، وأنت ترجعه إلى باطن تحصله الضمائر، فما ذلك الظاهر الذي يقصده من الكلام؟ وما ذلك الباطن الذي يقصده منه؟ .

إن الظاهر الذي يقصده هو: ما يجتمع للكلام من جزالة وقسوة، وما يتوافر فيه من تزويق، وتنميق، وكأن تكتمل فيه نواحي الجمال الظاهرة، من صور بيانية، أو بديعية، وأما الباطن الذي يريده فهي: المعاني اللطيفة، والدقائق الخفية التي تحصل عليها من النظم، أو من نفس الكلام وجوهره وموقعه، ومكانه - على حد تعبيره -، فهو يطبق تلك النظرية على الكلام بعد أن طبقها على الصورة الحسية التي تدركها الأبصار، فيقول:

"كذلك الكلام: منثوره، ومنظومه، ومجمله ومفصله، تجد منه المحكم الوثيق والجزل القوي، والمصنع المحكم، والمنمق الموشح، قد هذب كل التهذيب، وثقف غاية التثقيف، وجهد فيه الفكر، وأتعب لأجله الخاطر، حتى احتمى ببراءته عن المعائب، واحتجز بصحته عن المطاعن، ثم نجد لفؤادك عنه نبوة، وترى بينه وبين ضميرك فجوة، فإن خلص إليهما، فبأن يسهل بعض الوسائل أذنه ص 69، ويمهد عندهما، حاله، فأما بنفسه وجوهره، وبمكانه وموقعه، فلا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015