أي: ليس في الوجود ما يرى ويسمع الا آثاره المحمودة، فإذا أبصر مبصر، لا يرى إلا محاسنه، وإذا سمع سامع لا يسمع إلا محاسنه، فغيظ عداه أن يقع إبصار أو سمع، لأنه لا يقع إلا على محاسنه.
فالفعلان: "يرى" و "يسمع" من الأفعال المتعدية، فالمعنى - لا محالة - أن يرى مبصر آثاره، ويسمع واع أخباره - ولكنهما هنا، نزلا منزلة اللازم، لأن المقصود هو: مجرد إثبات الرؤية والسماع للفاعل دون النظر إلى تعلقهما بمفعول خاص، وذلك ليتسنى له أن يشعر الناس بأن محاسن الممدوح وفضائله قد بلغت من الوضوح والشهرة حداً لا تخفى عنده على ذي بصر أو سمع، بحيث يكفي في إدراكها مجرد أن يكون ذو بصر، وذو سمع، فيعلم الرائي والسامع أنه لا يليق لمقام الخلافة سواه، فلا يجد أعداؤه وحساده إلى منازعته سبيلا، فحساده وأعداؤه يتمنون ألا يكون في الدنيا ذو بصر وسمع ليخفى استحقاقه للإمامة، فيجدوا بذلك سبيلا إلى منازعته.
ولا يخفى على من له بصرير ياضة التراكيب أن هذا الغلو في المدح يفقد عند ذكر المفعول، أو تقديره.
ومنه قول عمرو بن معذ يكرب الزبيدي (?).
لحا الله جرما كلما ذر شارق ... وجوه كلاب، هارشت فاز بأرت
فلم تغن جرم نهدها إذ تلاقينا ... ولكن جرماً في اللقاء أبذعرت
ظللت كأني للرماح درية ... أقاتل عن أبناء جرم وقرت
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت، ولكن الرماح أجرت
لحا الله جرماً: أي قبحهم ولعنهم على المجاز، وذرت الشمس: بدأ قرنها أول: للطلوع، والشارق: الشمس، ونصب وجوه كلاب على الذم.