وهذا الفعل المنزل منزلة اللازم ضربان:
أحدهما: أن يذكر الفعل، ولا ينوي له في النفس مفعول أصلاً، لأن الغرض هو: إثبات الفعل في نفسه أو نفيه، وذلك كما في قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}؟ .
فالفعل متعد قطعا إلى مفعول، إذ الأصل: هل يستوي الذين يعلمون الدين والذين لا يعلمونه؟ فحذف المفعول المذكور، ونزل الفعل منزلة اللازم، وصار المراد من الفعل حقيقته، والمعنى، هل يستوي الذين وجدت فيهم حقيقة العلم والذين لم توجد عندهم حقيقته؟
فالغرض - إذن - هو ففي المساواة بين من هم من أهل العلم؟ ، ومن هم ليسوا من أهله، مبالغة في ذمهم بالجهل بالدين، وأن الذين لا علم لهم به كأن لا علم عندهم أصلاً.
والآية الكريمة - وإن كان أسلوبها إنشائي وموضوعنا في الأساليب الخبرية - فإنه يمكننا أن تمثل بقول الله تعالى: ، "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا" وينحو قولهم: (فلان يحل ويعقد، ويأمر وينهى) وقولهم: (فلان يضر وينفع، ويعطى ويمنع) ففي كل هذه الأمثلة لا تعرض لحديث المفعول، لأن الغرض هو إثبات الفعل في حد ذاته.
وثانيهما: أن يذكر الفعل، وينوي له في النفس مفعول خاص قد علم موضعه من سبق ذكر أو قرينة حال ولكنك تنسيه نفسك وتخيل أنك لم تقصد إلا إلى ذات الفعل قاصدا بذلك المبالغة فيه، وهو ذلك كما في قول البحتري، يمدح المعتز بالله الخليفة العباسي، ويعرض بأخيه المستعين بالله، وكان ينازعه الخلافة:
شجو حساده، وغيظ عداه ... أن يزي مبصر، ويسمع واع