نابغته المبرز فيه حرصا على رضاء الناس, وازدلافا إلى قلوبهم.
ليست شهوة الخمر من الشهوات الطبيعية المركبة في غرائز الناس، فلو لم يذوقوها لما طلبوها ولا كلفوا بها، وما جناها عليهم إلا كلف تاركيها برضاء شاربيها، وما كان الترف خلقا من الأخلاق الطبيعية للإنسان ولكن كلف المتقشفون برضاء المترفين فتترفوا، فحملوا في ذلك السبيل من شقاء العيش وبلائه وأثقال الحياة ومؤنها ما نغّص عليهم عيشهم وأفسد عليهم حياتهم، وإنك لترى الرجل العاقل الذي يعرف ما يجب ويعلم ما يأخذ وما يدع يبيع منزله في نفقة المأتم وأثاث منزله في نفقة العرس, فلا تجد لفعله تأويلا إلا خوفه من سخط الناس واتقاءه مذمتهم، وكثيرا ما قتل الخوف من سخط الناس والكلف برضاهم ذكاء الأذكياء، وأطفأ عقول العقلاء، فكم رأينا من ذكي يظل طول حياته خاملا متلففا لا يجرؤ على إظهار أثر من آثار فطنته وذكائه؛ مخافة هزء الناس وسخرهم، وعاقل لا يمنعه من الإقدام على إصلاح شأن أمته وتقويمها إلا سخط الساخطين, ونقمة الناقمين.
وما أعجبت برجل في حياتي إعجابي بأديب من أدباء هذه الأمة من الذين يملئون الصدور والأسماع, يرمي بالرسالة من رسائله في الصحيفة من الصحف ثم يمضي لسبيله قُدُما فلا يمشي