وراءها مشية المتسمع المتجسس ليعلم ما رأي الناس فيها وما حديثهم عنها, وهل سخطوا عليها أو رضوا بها, ولا يمشي متنقلا في المجامع والأندية مسائلا عنها كل غادٍ ورائح ليجد خيرا فيضحك ويستبشر، أو شرا فيبكي ويبتئس، بل كثيرا ما رأيته يسمع حديث الناس عنه في حالي رضاهم وسخطهم ساكنا هادئا كأنما يحدثون غيره ويعنون سواه، حتى كدت أتخيل أن لا فرق عنده بين أحسنتَ وأجدتَ، وأسأتَ وأخطأتَ، بل قلما رأيته على كثرة لصوقي به وتفقدي مواقع سمعه وبصره يقرأ ما تكتبه الصحف عنه وما تعلقه على آرائه في رسائله من مدح أو ذمّ حتى كدتُ أحمل تلك الحال الغريبة من أمره على البله والغفلة, أو العظمة والكبرياء لولا أني فاتحته مرة في ذلك وسألته: لم لا تحفل برأي الناس فيك؟ ولم لا تقرأ ما يكتبون عنك؟ فأجاب: إنني ما أقدمت على الكتابة للناس في إصلاح شئونهم وتقويم معوجّهم إلا بعد أن عرفت أني أستطيع أن أنزل منهم منزلة المعلم من المتعلم، والناس خاصة وعامة، أما خاصتهم فلا شأن لي معهم ولا علاقة لي بهم ولا دخل لكلمة من كلماتي في شأن من شئونهم, فلا أفرح برضاهم ولا أجزع لسخطهم؛ لأني لم أكتب لهم ولم أتحدث معهم ولم أُشهدهم أمري ولم أُحضرهم