النظرات (صفحة 19)

لأنه لا يعرف كيف يفضي به، وإما جاهل لم يستوِ له المعنى الذي يريده كل الاستواء، ولم يدر في جوانب نفسه حتى يستقر في قراره منها، فهو يتخيله تخيلا، ويجمجمه ويهذي به هذيانا فلا سبيل له إلا الإفصاح عنه، وإما داهية محتال قد علم أن المعنى الذي يجول في نفسه، ويشتمل عليه خاطره تافه مرذول، وكان لا بد له أن ينفقه1 على الناس ويزخرفه لهم ويزوره2 في أعينهم، فهو يكسوه أسلوبا غامضا؛ ليكدهم ويجهدهم في سبيله حتى إذا ظفروا به بعد ذلك، خيل إليهم أنهم قد ظفروا بمعنى غريب، أو خاطر بديع، ووجدوا فيه عند الوصوص إليه من اللذة والمتعة ما يجد الظامئ في ضحضاح3 الماء الكدر إذا أبعد النُّجعة في طلبه، ووصل إليه بعد الجهد والإشفاء، وإما عاجز ضعيف القوة النفسية قد علم أن ضعفاء الافهام من الناس، وهم سواد الأمة، ودهماؤها لا يرضون عن معنى من المعاني، ولا يستسنون4 قيمته، ولا يقيمون له وزنا إلا إذا جاءهم في جلدة من الألفاظ المتكرسة المتقبضة، وأنهم إذا ورد عليهم أثمن المعاني وأغلاها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015