وأكرمها جوهرا، وأطيبها عنصرا، في ثوب من الأساليب الرقيقة الشفافة ذهب بهم الوهم إلى أنه ما جاءهم على هذه الصورة إلا لأنه ساقط مبتذل، أو سوقي مطروق، فاحتقره وازدروه، وكان يرى لضعف حيلته وسقوط همته أن لا بد له من موافاة رغبتهم، وبلوغ رضاهم، والنزول على حكمهم، فتجمل لهم باللكنة والعي، وتملقهم بالغموض والإبهام، وإما أعجمي يظن أن اللغة العربية حروف وكلمات، وهو لا يعرف منها غيرهما، فينطق بشيء هو أشبه الأشياء بما يترجمه بعض المترجمين من اللغات الأعجمية ترجمة حرفية، فإن نعيت عليه غرابة أسلوبه واستعجامه والتواءه على الفهم كان مبلغ ما ينضح به عن نفسه أن المعاني العصرية والخيالات الحديثة لا يستطاع إلباسها إلا كيسة البدوية، والأردية العربية، كإنما هو يظن أن المعاني والخواطر خطط وأقسام، وبقاع وضياع، هذا للشرق وهذا للغرب، وهذا للعرب وهذا للعجم، أما الحقيقة التي لا ريب فيها فهي أن الرجل لا ينتزع تلك المعاني من قرارة نفسه، ولا يصور فيها صورة عقله، وإنما هو مترجم قد عثر بتلك المعاني في اللغة الأعجمية التي يعرفها لاصقة بأثوابها الأصلية، فلما أراد أن يفضي بها إلى العرب، وكان غير مضطلع بلغتهم، ولا متمكن من أساليبهم عجز عن أن ينزع عنها