ومنها (الموق) جمعها أمواق قال ابن سيده: "هو ضرب من الخفاق وقيل خفٌ غليظ يلبس فوق الخف وهو عربي صحيح"، وكان العياديون ينتعلون بالأمواق قال النمر بن تولب (التاج 7: 73 واللسان 12: 227) ويروى لسلامة بن جندل:

فترى النعاج بها تمشَّى خلفه ... مشي العباديّين بالأمواقِ

وكانت هذه الخفاف تتخذ من الجلد الدبوغ بالقرظ فيدعونه السبت وينتعل به السادة قال عنتر في معلقته:

بطلٌ كأنَّ ثيابهُ في سرحةٍ ... يحذى نعالَ السبتِ ليس بتوأمِ

ومن لبس زهادهم (المسح) وهو ثوب الرهبان من شعر، قال جرير وسمى الراهب ذا المسحين (التاج 8: 69) :

وصلَ إذ صرمتْ هند ولو وقفتْ ... لا ستفتنتني وذا المسحين في القوسِ

هذه بعض ألفاظ نقلناها وقد صرحوا فيها بذكر النصارى، ولاشك أن ألفاظاً أخرى دخلت في العربية بواسطة النصارى من الحبش والروم والسريان كما يدل عليها أصلها الأعجمي كالبرجد والإكليل والتاج والبرنس وأبي قلمون والقلنسوة والجلباب والسندس وغيرها وان يخصها الكتبة بالنصارى وحدهم.

10 ألفاظهم في الكتابة وأدواتها

رأيت في فصل سابق أن الكتابة دخلت بين العرب بفضل النصرانية، فلا عجب أن تكون الألفاظ الدالة على هذه الصناعة قد وردت خصوصاً في آثارهم ولذلك ترى ذكر أدوات الكتابة مقرونة في أشعارهم بذكر الزبور وكتب الوحي التي كان الرهبان يتناقلونها في جزيرة العرب ويتأنقون في كتابتها.

فأول ما ذكروه (القلم) قال معاوية الجعفري (معجم البكري ص583) يصف منازل دراسة:

فإنَّ لها منازلَ خاوياتٍ ... على نملى وقفتُ بها الركابا

من الأجزاعِ أسفلَ من نميلِ ... كما رجعتَ بالقلمِ الكتابا

ومثله لكعب بن زهير (البكري ص441) :

أتعرف رسماً بين زهمانَ فالرقمْ ... إلى ذي مراهيطٍ كما خطَّ بالقلمْ

وقال لبيد في معلقته:

وجلا السُّيولُ عن الطلال كإنَّما ... زبرٌ تجسدُّ منونها إقلامها

وكانوا يكتبون على الجلود وجريد النخل والعظام وألواح الرصاص، ومن أشهر ألفاظهم (القرطاس) وهي فارسية كالكاعد ويقال قرطس أيضاً، وقد وردت في الشعر الجاهلي قال المخش العقيلي يصف رسوم دار شبهها بخط الزبور على القرطاس قال (التاج 4: 215) :

كأنَّ بحيث استودع الدارُ أهلها ... مخطَّ زبورٍ من دواة وقرطسِ

ومنها (الأديم) أي الجلد كانوا يصقلونه ويرققونه فيكتبون عليه، قال المرقش:

الدار قفرٌ والرسومُ كما ... رقَّش في ظهر الأديم قلمْ

وكانوا يدعون الأدم الرقاق (ورقا) قبل يصطنعوه من القطن تشبيهاً بورق الشجر في تصفيحه قال جرير (البكري ص106) :

لمن الديار بعاقلٍ فالأنعم ... كالوحي في ورق الزَّبور المعجمِ

وهو (الرق) أيضاً جمعه الرقوق للجلد وللصحيفة البيضاء والكلمة حبشية الأصل كما يظن قال الخالد بن الوليد المخزومي (الأغاني 3: 112) :

هل تعرفُ الدارَ أضحت أيها عجبا ... كالرقّ أجرى عليها حاذقٌ قلما

وفي القرآن: "رق منشور" وقد دعوا الأديم والصحيفة البيضاء والحصير المنسوج خيوطه سيور (قضيماً) قال النابغة (التاج 9: 69) وفي وصف الرسوم:

كأن مجرَّ الرامساتِ ذيولها ... عليهِ قضيمٌ نمقتهُ الصوانعُ

وقد دعوا القرطاس والصحف البيض (بالمهرق) وهي لفظة فارسية مهره.

قال الصغاني: المهرق ثوب حرير أبيض يسقى الصمغ ويصقل ثم يكتب فيه والكلمة قديمة قال الحارث بن حلزة في معلقته:

وأذكروا حلفَ ذي الجاز وما ... م قدّمَ فيهِ العهود والكفلاءُ

حذرَ الجور والتعدّي وهل ... م ينقض ما في المهارقِ الأهواءُ

وقال أيضاً (التاج 7: 96) في الأطلال شبهها بكتابة الحبش: آباتها كمهارقِ الحبشِ وقال الأعشى يذكر الأدعية المرقومة في المهارق (اللسان 12: 247) :

رّبي كريمٌ لا يكدّر نعمةً ... فإذا تنوشد في المهارق أنشدا

وكذلك كتبوا على (العسيب) أي جريد النخل قال أمرؤ القيس:

لمن طلل أبصرتهُ فشجاني ... كخطِّ زبور في عسيبٍ يماني

وفي الهذليات قوله: أو زبر حميرَ بينها أحبارها=بالحميريَّة في عسيبٍ ذابلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015