ألقت النخيل وغرّقت المراكب ونشرت النار، فما شكّ الناس [فى] أنّ القيامة قد قامت، وعظم شرر النّيران وصارت تسقط الأماكن البعيدة، فخرج الناس وتعلّقوا بالموادن «1» واجتمعوا فى الجوامع والزوايا وضجّوا بالدعاء والتضرّع إلى الله تعالى، وصعد السلطان إلى أعلى القصر فهاله ما شاهده، وأصبح الناس فى يوم الثلاثاء، فى أسوإ حال، فنزل أرغون النائب بسائر الأمراء وجميع من فى القلعة، وجمع أهل القاهرة ونقل الماء على جمال الأمراء، ثم لحقه الأمير بكتمر الساقى بالجمال السلطانية، ومنعت أبواب القاهرة ألّا يخرج منها سقّاء، ونقلت المياه من المدارس والحمّامات والآبار، وجمعت سائر البنّائين والنجّارين فهدمت الدور من أسفلها، والنار تحرق فى سقوفها وعمل الأمراء الألوف، وعدّتهم أربعة وعشرون أميرا بأنفسهم فى طفى الحريق ومعهم مضافوهم من أمراء الطبلخاناه والعشرات، وتناولوا الماء بالقرب من السّقائين بحيث صار من باب زويلة «2» إلى حارة الروم «3» بحرا، فكان يوما لم ير أشنع منه، بحيث إنه لم يبق أحد إلا وهو فى شغل، ووقف الأمير أرغون النائب وبكتمر الساقى حتى نقلت الحواصل «4» السلطانية من بيت كريم الدين ناظر الخاص إلى بيت