وعيّن السلطان للإقامة بديار مصر الأمير أرغون الناصرىّ النائب ومعه الأمير أيتمش المحمّدىّ وغيره. ثم قدم الملك المؤيّد صاحب حماة إلى القاهرة ليتوجّه فى ركاب السلطان إلى الحجاز، وسافر المحمل على العادة فى ثامن عشر شوّال مع الأمير سيف الدين طرچى «1» أمير مجلس، وركب السلطان من قلعة الجبل فى أوّل ذى القعدة، وسار من بركة الحجّاج فى سادس ذى القعدة وصحبته المؤيد صاحب حماة والأمراء وقاضى القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعىّ وغالب أرباب الدولة، وسار حتى وصل مكة المشرّفة بتواضع زائد بحيث إنّ السلطان قال للأمير جنكلى بن البابا: لا زلت أعظّم نفسى إلى أن رأيت الكعبة المشرّفة وذكرت بوس الناس الأرض لى، فدخلت فى قلبى مهابة عظيمة ما زالت عنى حتى سجدت لله تعالى. وكان السلطان لما دخل مكة حسّن له قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة أن يطوف بالبيت راكبا كما فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال له الملك الناصر: ومن أنا! حتى أتشبّه بالنبىّ صلى الله عليه وسلم، والله لا طفت إلا كما يطوف الناس! ومنع الحجّاب من منع الناس أن يطوفوا معه، وصاروا يزاحمونه وهو يزاحمهم كواحد منهم فى مدّة طوافه، وفى تقبيله الحجر الأسود.

قلت: وهذه حجّة الملك الناصر الثانية. ولما كان الملك الناصر بمكّة بلغه أن جماعة من المغل ممّن حجّ فى هذه السنة قد اختفى خوفا منه فأحضرهم السلطان وأنعم عليهم وبالغ فى إكرامهم. وغسل السلطان الكعبة بيده وصار يأخذ أزر إحرام الحجّاج ويغسلها لهم فى داخل البيت بنفسه، ثم يدفعها لهم، وكثر الدعاء له. وأبطل سائر المكوس من الحرمين الشريفين، وعوّض أميرى مكة والمدينة عنها إقطاعات بمصر والشام، وأحسن إلى أهل الحرمين، وأكثر من الصدقات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015