وسبعمائة. وأفرد السلطان لخاصته الجيزية «1» وأعمالها، وأخرجت الجوالى من الخاص وفرّقت فى البلاد، وأفردت الجهات التى بقيت من المكس كلها، وأضيفت إلى الوزير، وأفردت للحاشية بلاد، ولجوامك المباشرين بلاد، ولأرباب الرواتب جهات. وارتجعت عدّة بلاد كانت اشتريت من بيت المال وحبست، فأدخلت فى الإقطاعات.
قلت: وشراء الإقطاعات من بيت المال شراء لا يعبأ الله به قديما وحديثا، فإنه متى احتاج بيت مال المسلمين إلى بيع قرية من القرى، وإنفاق ثمنها فى مصالح المسلمين! فهذا شىء لم يقع فى عصر من الأعصار «2» ، وإنما تشترى القرية من بيت المال؛ ثم إن السلطان يهب للشارى ثمن تلك القرية، فهذا البيع وإن جاز فى الظاهر لا يستحلّه الورع، ولا فعله السّلف، حتى إنّ الملك لا تجوز له النفقة من بيت المال إلّا بالمعروف، فمتى جاز له أن يهب الألوف المؤلّفة من أثمان القرى لمن لا يستحقّ أن يكون له النّزر اليسير من بيت المال، وهذا أمر ظاهر معروف يطول الشرح فى ذكره. وفى قصّة سيّدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ما فرضه لنفسه من بيت المال كفاية عن الإكثار فى هذا المعنى. انتهى.
ثم إن السلطان رسم بأن يعتدّ فى سائر البلاد بما كان يهديه الفلّاحين وحسب من جملة المبلغ. فلمّا فرغ من العمل فى ذلك نودى فى الناس بالقاهرة ومصر وسائر الأعمال بإبطال ما أبطل من جهات المكس وغيره، وكتبت المراسيم بذلك إلى سائر النواحى بهذا الإحسان العظيم، فسّر الناس بذلك قاطبة سرورا عظيما، وضجّ العالم بالدعاء للسلطان بسائر الأقطار، حتى شكر ذلك ملوك الفرنج، وهابته من حسن تدبيره. ووقع ذلك لملوك التتار وأرسلوا فى طلب الصّلح حسب ما يأتى ذكره.