ثم جلس السلطان الملك الناصر بالإيوان «1» الذي أنشأه بقلعة الجبل فى يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجّة سنة خمس عشرة وسبعمائة لتفرقة المثالات «2» . وهذا الرّوك يعرف بالرّوك الناصرى المعمول به إلى يومنا هذا، وحضروا الناس ورسم السلطان أن يفرّق فى كلّ يوم على أميرين من المقدّمين بمضافيهما، فكان المقدّم يقف بمضافيه، ويستدعى كلّ واحد باسمه، فإذا تقدّم المطلوب سأله السلطان، من أنت؟
ومملوك من أنت؟ حتّى لا يخفى عليه شىء من أمره، ثم يعطيه مثالا يلائمه؛ فأظهر السلطان فى هذا العرض عن معرفة تامّة بأحوال رعيّته، وأمور جيوشه وعساكره؛ وكان كبار الأمراء تحضر التّفرقة فكانوا إذا أخذوا فى شكر جندىّ عاكسهم السلطان، وأعطاه دون ما كان فى أملهم له، وأراد بذلك ألّا يتكلّم أحدهم فى المجلس، فلمّا علموا بذلك أمسكوا عن الكلام والشكر، بحيث إنّه لا يتكلّم أحد منهم بعد ذلك إلا ردّ جواب له عما يسأل عنه فمشى الحال بذلك على أحسن وجه من غير غرض ولا عصبيّة، وأعطى لكلّ واحد ما يستحقّه.
قلت: وأين هذه الفعلة من فعل الملك الظاهر برقوق، رحمه الله؛ وقد أظهر من قلّة المعرفة، وإظهار الغرض التامّ، حيث أنعم على قريبه الأمير قجماس بإمرة