قلت: وكلّ ما فعله الملك الناصر من إبطال هذه المظالم والمكوس دليل على حسن اعتقاده وغزير عقله وجودة تدبيره وتصرّفه، حيث أبطل هذه الجهات القبيحة التى كانت من أقبح الأمور وأشنعها وعوّضها من جهات لا يظلم فيها الرجل الواحد. ومثله فى ذلك كمثل الرجل الشجاع الذي لا يبالى بالقوم، كثروا أو قلّوا، فهو يكرّ فيهم فإن أوغل فيهم خلص، وإن كرّ راجعا لا يبالى بمن هو فى أثره، لما يعلم ما فى يده من نفسه، فأبطل لذلك ما قبح وأحدث ما صلح من غير تكلّف، وعدم تخوّف، فلله درّه من ملك عمّر البلاد، وعمّر بالإحسان العباد. وهذا بخلاف من ولى بعده من السلاطين فإنهم لقصر باعهم عن إدراك المصلحه، مهما رأوه، ولو كان فيه هلاك الرعية، وعذاب البرية؛ يقولون: بهذا جرت العادة من قبلنا، فلا سبيل إلى تغيير ذلك ولو هلك العالم، فلعمرى هل تلك العادة حدثت من الكتاب والسّنة، أم أحدثها ملك مثلهم! وما أرى هذا وأمثاله إلّا من جميل صنع الله تعالى، كى يتميّز العالم من الجاهل. انتهى.

ثم رسم السلطان الملك الناصر [بالمسامحة «1» ] بالبواقى الديوانية والإقطاعية من سائر النواحى إلى آخر سنة أربع «2» عشرة وسبعمائة. وجل الرّوك «3» الهلالىّ لاستقبال صفر سنة ستّ عشرة وسبعمائة، والرّوك «4» الخراجىّ لاستقبال ثلث مغلّ سنة خمس عشرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015