فأنكر المظفّر على مماليكه تأهّبهم للقتال وقال: أنا كنت ملكا، وحولى أضعافكم ولى عصبة كبيرة من الأمراء، وما اخترت سفك الدماء! وما زال بهم حتّى كفّوا عن القتال، وساق هو بنفسه حتّى بقى مع الأمراء وسلّم نفسه إليهم؛ فسلّموا عليه وساروا به إلى معسكرهم وأنزلوه بخيمة، وأخذوا سلاح مماليكه ووكّلوا بهم من يحفظهم؛ وأصبحوا من الغد عائدين بهم معهم إلى مصر، فأدركهم أسندمر كرجى بالخطّارة «1» فأنزل فى الحال المظفّر عن فرسه وقيّده بقيد أحضره معه، فبكى وتحدّرت دموعه على شيبته، فشقّ ذلك على قراسنقر وألقى الكلفتاة عن رأسه إلى الأرض وقال: لعن الله الدنيا، فيا ليتنا متنا ولا رأينا هذا اليوم! فترجّلت الأمراء وأخذوا كلفتاته ووضعوها على رأسه. هذا مع أنّ قراسنقر كان أكبر الأسباب فى زوال دولة المظفّر المذكور! وهو الذي جسّر الملك الناصر حتّى كان من أمره ما كان.

ثم عاد قراسنقر والحاج بهادر إلى محلّ كفالتهما، وأخذ بهادر يلوم قراسنقر كيف خالف رأيه! فإنّه كان أشار على قراسنقر فى اللّيل بعد القبض على المظفّر بأن يخلّى عن المظفّر حتّى يصل إلى صهيون، ويتوجّه كلّ منهما إلى محلّ ولايته، ويخيفا الملك الناصر بأنّه متى تغيّر عمّا كان وافق الأمراء عليه بدمشق قاموا بنصرة المظفّر وإعادته إلى الملك، فلم يوافق قراسنقر، وظنّ أنّ الملك الناصر لا يستحيل عليه ولا على المظفّر. فلمّا رأى ما حلّ بالمظفر ندم على مخالفة بهادر. وبينما هما فى ذلك بعث أسندمر كرجى إلى قراسنقر مرسوم السلطان بأن يحضر صحبة المظفّر إلى القلعة، وكان عزم الناصر أن يقبض عليه: ففطن قراسنقر بذلك وامتنع من التوجّه إلى مصر، واعتذر بأنّ العشير «2» قد تجمّعوا ويخاف على دمشق منهم، وجدّ فى السير وعرف أنّه ترك الرأى فى مخالفة بهادر! فقدم أسندمر بالمظفّر إلى القلعة فى ليلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015