الأربعاء الرابع عشر من ذى القعدة «1» ، فلمّا مثل المظفّر بين يدى السلطان قبّل الأرض، فأجلسه وعنّفه بما فعل به وذكّره بما كان منه إليه، وعدّد ذنوبه، وقال له: تذكر وقد صحت علىّ يوم كذا بسبب فلان! ورددت شفاعتى فى حقّ فلان! واستدعيت بنفقة فى يوم كذا من الخزانة فمنعتها! وطلبت فى وقت حلوى بلوز وسكّر فمنعتنى، ويلك! وزدت فى أمرى حتّى منعتنى شهوة نفسى، والمظفّر ساكت. فلما فرغ كلام السلطان قال له المظفّر: يا مولانا السلطان، كلّ ما قلت فعلته، ولم يبق إلّا مراحم السلطان، وإيش يقول المملوك لأستاذه! فقال له:

يا ركن، أنا اليوم أستاذك! وأمس تقول لما طلبت إوزّا مشويّا: إيش يعمل بالإوزّ! الأكل هو عشرون مرّة فى النهار! ثم أمر به إلى مكان وكان ليلة الخميس، فاستدعى المظفّر بوضوء وقد صلّى العشاء. ثم جاء السلطان الملك الناصر فخنق بين يديه بوتر حتى كاد يتلف، تم سيّبه حتى أفاق وعنّفه وزاد فى شتمه، ثم خنقه ثانيا حتى مات وأنزل على جنوية «2» إلى الإسطبل السلطانىّ فغسل ودفن خلف قلعة الجبل، وذلك فى ليلة الجمعة خامس عشر ذى القعدة «3» سنة تسع وسبعمائة. وكانت أيام المظفّر هذا فى سلطنة مصر عشرة «4» أشهر وأربعة وعشرين يوما لم يتهنّ فيها من الفتن والحركة.

وكان المظفّر لمّا خرج من مصر هاربا قبل دخول الملك الناصر. قال بعض الأدباء:

تثنّى عطف مصر حين وافى ... قدوم الناصر الملك الخبير

فذلّ الجشنكير بلا لقاء ... وأمسى وهو ذو جأش نكير

إذا لم تعضد الأقدار شخصا ... فأوّل ما يراع من النّصير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015