في المطالبة بمكانهم في الأدب العربي الذي هم من جملة حملة ألويته، بل من نخبة عمار أنديته، ولكن الأمر على حد ما قال الشاعر:
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
فالمشارقة الذي يعزو إليهم إخوانهم المغاربة جهل مقامهم في الأدب ليس منهم واحد يلز في جملة العلماء المحققين، وإنما هم من صغار المتأدبة الذي علموا شيئاً وغابت عنهم أشياء. ولم تكن قبل اليوم علاقات العالم بعضها ببعض كما في هذا العصر؛ الذي جعلت فيه الاختراعات العلمية ومظاهر أسرار الكهربائية؛ القاصي قريباً، والمجهول معلوماً، والبلدان النائية بلداً يكاد يكون واحداً، والأسفار المشتطة سفراً قاصداً. وقد كان المغرب من قبل في زاوية من الأرض ليس ورائها إلى الغرب سوى بحر الظلمات. نعم. لم يزل المغرب كما كان من الجهة الجغرافية، ولكنه أصبح اليوم قريبا بالباخرة والطائرة، والسلكي واللاسلكي، والهاتف والراديو؛ فصار الشرقي يعرف عن المغرب وأهله في اليوم الواحد ما لم يكن يعرفه في السنة بطولها. فالآن إذا جهل الشرقي أحوال المغرب وعميت عليه مآثره يكون جديراً باللوم، وحقيقاً بالرثاء لقصور معارفه، فأما عما مضى فلا يتوجه اللوم وأسباب الاتصال قليلة، ووسائل التعارف محدودة.
ولا تنس الانحطاط الذي طرأ على العالم الإسلامي شرقيه وغربيه؛ فإنه في مقدمة أسباب جهل بعض أجزائه بأحوال البعض الآخر، ولا تنس أيضا تكالب الاستعمار الأوروبي وكون أهم شروطه الفصل والقطع والضرب بالأسداد بين البلاد المستعمرة وأخواتها، والأمم المستضعفة ومن تمت إليهم بصلة دين أو نسب أو لغة؛ فهذا كله جعل أمور المغرب مجهولة عند غير المحققين من أهل الشرق. ولو كان الاستقلال السياسي موفوراً للعالم الإسلامي لما وقع من التجاهل والتناكر هذا الذي وقع أخيرا، وجعل الأخ لا يعرف شيئا عن أحوال أخيه، فقد عهدنا عندما كان الإسلام إسلاما، وكانت الرجال رجالا أن الحركات الفكرية إذا شاعت في المشرق شاعت في المغرب، وإذا نبغ شاعر أو كاتب في أحدهما تناقل الناس أقواله للآخر، وإذا كتب الإمام الغزالي كتاباً في أقصى الشرق تدارسه الفقهاء في أقصى الغرب، وعمل به الموحدون والغزالي بعد في الحياة، وألف سعد الدين التفتازاني كتاباً في خراسان أو ما يليها تكلم عليه ابن خلدون في فاس أو تونس في عرض كلامه على ملكة المشارقة في العلوم العقلية، والتفتازاني لا يزال حياً. وإذا ألف ابن هشام كتاباً في النحو وهو