على ما علم من تحفظه الشديد؛ ولكن يا أسفي لضياع شعر هذا النابغة الفذ وغيره من شعراء هذا العهد، الذين نعتقد أنه لو وصلت إلينا جميع آثارهم لما بقي من ينغض رأساً عند ذكر أدب المغرب، لا من أمثال صاحب رسالة الفاخرة بين العدوتين، ولا من أمثال صاحبي كتاب المطرب.
ونذكر الآن مختصر تراجم النابهين من أدباء هذا العصر، لأن الاتساع في ذلك والإحاطة يجمعهم مما يضيق عنه صدر هذا الموضوع.
هو أبو الحكم مالك بن المرحل السبتي، أعظم شعراء المغرب شهرة على الإطلاق، ولد سنة 604 ونشأ بسبتة خامل الذكر خفي المنزلة فأنهضه أدبه وشعره، وعوضاه من الخمول الظهور؛ فكان في عصره شاعر المغرب غير مدافع، وأطمع شعرائه أسلوباً وأرشقهم لفظاً، وأبلغهم معني. استعان على ذلك بالمقاصد اللسانية لغة وبياناً، ونحواً وعروضاً وقافيةً وحفظاً للجيد من الشعر، واضطلاع بمعرفة معانيه وتراكيبه؛ فإنه كان في ذلك نافذة الذهن، شديد الإدراك، قوي العارضة، تسريع البديهة. وكان قد تلا القرآن بالسبع، وذلك مما زاده بصراً بأسرار العربية.
كان ابن المرحل يتعاطى صناعة التوثيق ببلده سبتة، واستقضي مرة بعض الجهات، وكان مداحاً ليعقوب المنصور المريني ومختصاً به، وعلى تعميره، وتقدمه في السن لم يضعف في رواية العلم والشعر والملح والفوائد، بل كان إنما يزداد سعة درع وانفساح باع في ذلك، ومن شعره لما بلغ الثمانين سنة:
يا أيها الشيخ الذي عمره ... قد زاد عشراً بعد سبعيناً
سكرت من أكواس خمر الصبا ... فحدك الدهر ثمانيناً