فحقق بذلك أعظم أمل لا يزال يخالج نفوس الساسة والمهتمين بمستقبل هذه البلاد، خصوصاً في العصر الحاضر، الذي أصبح شعاره قول الشاعر «وإنما العزة للكاثر».
ولما تولى ولده يوسف سار على أثره في الحزم والتدبير وحياطة مملكته الشاسعة الأطراف، وكان له بالأندلس اهتمام خاص. جاز إليها جوازه الأول سنة 56? فاستولى على شرقيتها، وكان لم يدخل قبل في طاعتهم وحقق أمل والده في غزو أرض العدو فكانت له فيها وقائع منصورة. وأقام بالأندلس يغزو ويعمر البلاد ويشيد الآثار مدة خمس سنين، ثم رجع إلى المغرب وخرج إلى إفريقية سنة 5? 5 فتعهد نواحيها بالإصلاح والتنظيم، وعاد إلى مراكش بعد أن قضى سنتين في رحلته هذه. ثم جاز إلى الأندلس جوازه الثاني سنة 579، حيث أصيب في ساحة الشرف على أبواب مدينة شنترين وتوفي في ربيع الثاني سنة 580 وبويع هناك لولده يعقوب المنصور الذي بلغت الدولة في أيامه إلى منتهى القوة والعظمة. وكان عهده العهد الذهبي للمغرب سواء من ناحية استبحار العمران وازدهار الحضارة أو من ناحية استقرار النظام وانتشار العدالة؛ فكانت المرأة تخرج من بلاد نول فتنتهي إلى برقة وحدها، لا ترى من يعرض لها ولا من يمسها بسوء. وكان الدينار يقع من الرجل في الشارع العمومي فيبقى ملقى لا يرفعه أحد عدة أيام إلى أن يأخذه صاحبه. ويمكن القاضي الشهر وأكثر لا يجد من يحكم عليه لتناصف الناس وارتفاع مستواهم الخلقي. وكان المنصور ينظر بنفسه في المظالم، حتى إنه لينظر في قضية الدرهم والدرهمين وينصف من نفسه ويمتثل لحكم القضاة. وبقدر ما كان له من جولات مظفرة في تثبيت السلطة بأقطار إفريقية، كان لا يغفل عن القطر الأندلسي والسهر على حركة الجهاد فيه، حتى يفل من غرب العدو المستأسد على أهله. أما في إفريقية فإن أهم عمل قام به لضمان استتباب الأمن هناك هو تدبيره لأمر العرب من بني هلال الذين طالما أقلقوا راحة السكان منذ أن سراحهم الفاطميون للتشويش على ملوك بني زيري، فم ير أصلح لهم من نقلهم إلى المغرب حيث أمرهم ناحيتي الحوز والغرب، فانقطعوا عن الصحراء التي كانوا يعتصمون بها من السلطة بعد ما يعيشون في الأرض فساداً. وبذلك انحسمت مادتهم وأفادوا في تعريب الناحيتين المذكورتين وما اتصل بها من مواطن البربر.
وأما في الأندلس فإنه منذ ولي لم يفتر عن مواصلة الجهاد بنفسه وبواسطة كبار