فخرج من تينمل سنة 534 في غارة طويلة دامت سبع سنين، فلم يرجع منها حتى فتح المغربين الأقصى والأوسط. وهلك علي بن يوسف وابنه تاشفين الذي ولي بعده في تلك الأثناء وألقت إليه فاس وتلمسان ومراكش بالمقاليد أواخر سنة 541 فخلصت له مملكة المرابطين في المغرب بأجمعها.
ثم بدأ يهتم بأمر الأندلس، فيما تم أن قدم عليه وفدها وهو بمراكش للبيعة سنة 542 وأرسل إليها جيشاً بقصد تمهيدها ومدافعة العدو الذي اغتنم فرصة الانقلاب الموحدي فأغار على أطراف البلاد.
وطمح إلى الاستيلاء على بقية الشمال الإفريقي. وكانت دولة بني زيزي الصنهاجيين المعروفين ببني حماد، تسيطر على القسم الشرقي منه بما فيه من ولايات جزائرية وتونسية، إلا أنها قد ضعف أمرها وتطاول عليها الثوار من عرب هلال. وعدا النورمانيون وهم إفرنج صقلية على السواحل فأخذوا صفاقس وسوسة والمهدئة، ولقي السكان منهم هولاً عظيماً، فتوجه عبد المؤمن إلى هذه الناحية سنة 546 ومهد أمرها باستيلائه على بجاية وقلعة حماد وقسنطينة. ورجع إلى المغرب، ثم عاد إليها سنة 554 بجيش جرار؛ فدخل تونس وضرب الحصار على المهدية، وهي من أمنع ما يكون، يحيط بها البحر من ثلاث جهات، فتركها محاصرة براً وبحراً. ومضى يفتح طرابلس وصفاقس وسوسة، وجبال نفوسة وسائر بلاد إفريقية إلى برقة. ثم سقطت المهدية في يده أواخر السنة بعد هزيمة الأسطول الذي أتى لنجدتها.
ورجع عبد المؤمن إلى المغرب وقد ضبط أمر هذه البلاد وأصلح شأنها ولم يسترح إلا قليلاً. ثم عبر البحر إلى الأندلس سنة 556 ونزل بجبل طارق وكان قد أمر ببنائه وتحصينه، وكان يسميه جبل الفتح؛ فأقام به شهرين وأشرف منه على أحوال الأندلس، ووفد عليه قوادها وأشياخها؛ فأمر بغزو غرب الأندلس فغزي وكان الظفر فيه للمسلمين. ثم عاد إلى المغرب وأخذ في الاستعداد للجهاد؛ فأمر بإنشاء الأساطيل ونظر في استجلاب الخيل والاستكثار من أنواع السلاح والعدد. وحين كان على أتم أهبة وافاه الأجل المحتوم في جمادى الثانية سنة 558 برباط سلا. وكان أعظم أعماله بعد إرساء قواعد الدولة الجديدة هو توحيد أقطار الشمال الإفريقي، أو ما يسمى اليوم بالمغرب العربي وتكوينه منه دولة قوية زرعت الرعب في قلوب الأعداء؛