من أهل المغرب وعامة أهل الأندلس ساعدوا حركة العصيان وناصروها في الشر والإعلان. والقبائل قد شاهدنا ما كان من رياضة المهدي لهم وتخريجهم في مدرسته؛ فلم يكونوا محتاجين إلى تجديد عهد ولا تثبيت طاعة، فسرعان ما دانت البلاد العبد المؤمن الذي فرض دعائم الدولة المرابطية ودوخ المغرب من أدناه إلى أقصاه. وسرعان ما استقرت الأحوال واستتب الأمن وعادت الأمور إلى نصابها؛ فقامت دولة الموحدين بمراكش شامخة البنيان رفيعة الأركان. وتم الانقلاب الموحدي العظيم في مدة لم تكن تكفي في بادئ النظر لتجهيزه فأحرى تنفيذه. والله في خلقه شؤون.
لئن كان المهدي بن تومرت هو صاحب دعوة الموحدين والقائم على دولة المرابطين والممهد للانقلاب والواضع لخطط الثورة التي اتبعت بالحرف، فإن عبد المؤمن هو رجل الدولة الذي اضطلع بتنفيذ جميع برامج الثورة والاستيلاء على مملكة المرابطين وتحقيق وحدة الشال الإفريقي، مع الحرص على تطبيق مبادئ الدعوة الموحدية في الحقلين الديني والاجتماعي بأمانة وإخلاص. ولقد صدق المهدي حين قيل له إن الموحدين قد هلكوا، وذلك في وقعة البحيرة التي جرت بينه وبين المرابطين واستأصلت معظم أصحابه، فقال: ما فعل عبد المؤمن؟ قيل: هو على جواده قد أحسن البلاء. قال ما بقي عبد المؤمن فلم يهلك أحد. . .
نعم لقد كان عبد المؤمن بالنسبة لدعوة الموحدين كيوسف بن تاشفين بالنسبة لدعوة المرابطين، هو الذي أبلغها كمالها وقرطس أهدافها ونهض بأعبائها المادية والمعنوية نهوضاً تاماً، فلم يخلف ظن إمامه حين اختاره لصحبته ومعاونته على مهمته منذ لقيه أول أمره، ولا حين قال فيه هذه الكلمة ورشحه لخلافته من بعده. وهكذا لما بويع له من طرف الموحدين خرج مغيراً على بلاد تادلة ودرعة وغمارة فاستولى عليها وتسابق الناس إلى الدخول في دعوته أفواجاً، وانتقضت القبائل على المرابطين؛ مما يدل على أن التعفن السياسي كان بالغاً فيها مداه. ثم صرف عزمه لفتح بلاد المغرب