دعوته، حتى أصبح سلطاناً مطاعاً في جميع القبائل، والمغرب إذ ذاك وفي كل وقت هو القبائل. وقد تأول الجميع عليه ما كان يحدثهم به عن المهدي والإمام المعصوم، فصاروا لا يدعونه إلا بأحد اللقبين.

وكانت هذه الأخبار تصل إلى مراكش فتثير حفيظة الدولة عليه. وكلما اشتدت صولته كلما أوجست الخيفة منه، فتعض أصابع الندم على إفلاته من يدها. وصممت العزم على مناوشته بالقتال ومبادأته بالمحاربة، فأرسلت إليه أول طليعة في سنة 515 وهو بجبل تينمل من بلاد سوس فهزمها.

ولا حاجة بنا إلى القول إن المهدي ثابر في محاربة القوم ومناجزتهم القتال. وكانت الحرب بينهم سجالاً. غير أنه لم يفرح بالانتصار على خصومه في موقف مشهود. ومع ذلك فإنه كان قوي العزم صحيح العقد في جهادهم واثقاً بالنصر عليهم وغلبتهم والإدالة منهم، كما وعد بذلك أصحابه وهو يجود بنفسه. وكان حرياً أن يشهد الدولة المرابطية تخر من فوق عرشها العالي ويتهدم بنيانها الشامخ، لولا أن المنية عاجلته فتوفي وهو في زهرة العمر 5? 4 وخلفه رفيقه عبد المؤمن بن علي الكومي الفتى الجلد الصبور، الذي كان لقي المهدي في ملالة قرية ببجاية، وهو في طريقه إلى المشرق بقصد طلب العلم. فعدل عن رحلته وصحب المهدي مكتفياً بالدراسة عليه، وهذا أحلته منه محلاً خاصاً وأشركه في أمره وكاشفه بخبيئة نفسه، وكان هو وارثه وخليفته من بعده بعهد منه؛ فواصل عمله في محاربة المرابطين بدون انقطاع، وجمع همة الموحدين على هذه الغاية، فلم يضع السيف من يده حتى دخلت دولة المرابطين في خبر كان.

وكانت هذه الدولة قد شاخت قبل الأوان وتمكن منها الضعف أيما تمكن؛ فإنهار كل ما بناه لها ذلك العاهل العظيم يوسف بن تاشفين من آثار المجد الرفيع، وأركان العز المنيع. وذلك أن ولده عليا برغم صلاحه كان ضعيفاً مستضعفاً؛ فغلب على أمره واستقل الولاة بالأقاليم وعاد العتو والفساد في القبائل كما كان، وبرزت المرأة إلى ميدان السياسة فلعبت دورها الذي طالما زلزل العروش وقلب المالك. وهذا كاف في صرف النظر عن هذه الدولة وتوجيهه إلى من يحيط وحدة الأمة بسياج الحكمة والتدبير ويحقق أملها في مواصلة النهوض والتقدم. لذلك فإن العقلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015