والقيام بتغيير المنكر الذي كان يجري على مرأى منهم ومسمع. وبدل أن يمدوا إليه يد المعونة ويعززوا موقفه، قاوموه وجرضوا أمير المسلمين عليه؛ فلم يسعه إلا النجاة بنفسه واللجوء إلى قومه ينشد عندهم الحماية والنصرة. ولقد لجأ منهم إلى مأمن حقاً، حيث انتصب لنشر العلم وبث أفكاره ومبادئه في غير خوف ولا رقابة. وكان أكثر ما يدعو إلى الأخذ بمذهب الأشاعرة في الاعتقاد، وخاصة في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث، الذي كان المغاربة لا يجنحون إليه أخذاً بمذهب السلف في ترك التأويل وإقرار المتشابهات كما جاءت؛ مشددأ النكير عليهم في ذلك وربما رماهم بالتجسيم. ولذلك سمى أتباعه بالموحدين تعريضاً بخصومه من رجال الدولة والفقهاء وعامة أهل المغرب الذين كانوا كلهم على مذهب السلف في العقيدة. وكان من رأيه القول بعصمة الإمام، على رأي الإمامية من الشيعة. وألتف في ذلك كتابه الذي افتتحه بقوله (أعز ما يطلبه) فصار هذا الافتتاح علماً على ذلك الكتاب، ولم تحفظ عنه فلتة في البيدعة سوى هذه على ما يقول ابن خلدون. ويظهر لنا أنه مزج بين المهدوية والإمامية) (?)، ولذلك كان أتباعه يعتقدون فيه الأمرين معاً. وقد لبث الخطباء مدى طويلاً في أيام الموحدين يذكرونه بوصف الإمام المعصوم المهدي المعلوم من فوق منابر المغرب كافة. وعلى كل حال فإنه عكف على التعليم وتربية من استجاب له من قومه في جبال سوس، فكنت تراه طوال يومه يعقد المجالس الخاصة والعامة يلقي فيها إلى الناس مذاهبه وآراءه، متخذاً في ذلك الأساليب الموصلة إلى المقصود بسرعة؛ فتارة يملي بالبربرية وتارة بالعربية، وكذلك فعل في تأليف الكتب مثل المرشدة، وهي عقيدة خالية من البدعة، مما يدل على أنه لم يكن يعلن بآرائه السياسية للعموم أو أن تأليفه لها سابق عن إعلانه بمذهبه هذا الجامع بين المهدوية والإمامية. ومهما يكن من أمر، فإن هذا التطور السياسي إنما طرأ على دعوته بعد خروجه من مراكش ولجوئه إلى سوس. يدلنا على ذلك إجماع المؤرخين على عدم ذكرهم لشيء من آرائه السياسية فيما كان يصدر عنه من أقوال قبل ذلك، وفي مناظرته للعلماء بمراكش بين يدي علي بن يوسف على الخصوص. وكما تنتشر النار في الهشيم كانت هذه الآراء مع مذهبه في التوحيد تنتشر في القبائل، وفي كل يوم يرتفع صيته ويؤمه الناس من كل جهة، فيعرف كيف يستميلهم إليه ويدخلهم في