أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
307 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هِيَ فِي «الرَّجُلِ يَمُوتُ فِي السَّفَرِ فَيَحْضُرُهُ بَعْضُ وَرَثَتِهِ وَيَغِيبُ بَعْضُهُمْ فَيَتَّهِمُ الْغَائِبُ مِنْهُمُ الْحَاضِرَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُكْمِ أَلَّا يَكُونَ أَهْلُ الشِّرْكِ عُدُولًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْلَا خِلَافُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، وَأُولَئِكَ أَكْثَرُ عَدَدًا، وَفِيهِمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مَعَ خَلَلٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ فِي ذَاكَ، أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى هَذَا فَلَا نَرَاهُ حُفِظَ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الثَّبْتِ وَالصِّحَّةِ، وَأَمَّا تَأَوُّلُ الْحَسَنِ: مِنْ قَبِيلَتِكُمْ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ غَيْرِكُمْ، فَكَيْفَ يَصِيرُ أَهْلُ الْمُخَاطَبَةِ بِالْآيَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ التَّوْحِيدِ كَافَّةً، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106]، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا قَدْ خُوطِبَ -[164]- بِهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: مِنْ غَيْرِكُمْ، إِلَّا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: إِنَّهَا فِي أَهْلِ الْمِيرَاثِ يَتَّهِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَأَنَّى يَكُونُ هَذَا؟ وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ لَنَا شَهَادَةً، ثُمَّ أَعَادَ ذِكْرَهَا فِي الْآيَةِ وَأَبْدَاهُ مِرَارًا، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106]، وَقَالَ: {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107]، وَقَالَ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108]. وَهَذَا يَتَأَوَّلُهَا فِي الِادِّعَاءِ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّمَا هُمْ مُدَّعُونَ وَمُدَّعًى عَلَيْهِمْ، فَأَيْنَ الشَّهَادَةُ مِنَ الدَّعْوَى؟ وَكَيْفَ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ؟ فَهَذَانِ نَوْعَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ لَا أَعْرِفُ لَهُمَا وَجْهًا، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي مَذْهَبِهِمَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا أَمْرَانِ لَا يَجُوزَانُ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: 106]. فَهَلْ يُعْرَفُ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَحْلِفَ الشَّاهِدَانِ، أَوْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا يَمِينٌ، أَمْ هَلْ يُعْرَفُ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمَا وَلَا يُنْفِذَهَا إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " هَذَا مَا لَا يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا إِلَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَمَّنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، ثُمَّ أَخَذَ سُفْيَانُ بِهِ، وَمَعَ هَذَا إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا لِمِثْلِ هَذَا نَظَائِرَ خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرُخْصَتِهَا السَّفَرَ، وَحَظَرَهَا عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ، مِنْهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَالتَّيَمُّمُ مَكَانَ الطَّهُورِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَالْإِفْطَارُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَكُلُّ هَذِهِ الْخِلَالِ جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ أَحَلَّ جَلَّ جَلَالُهُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَى ذَلِكَ، فَهَكَذَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَيُّ ضَرُورَةٍ أَشَدُّ مِنْ رَجُلٍ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ فِي السَّفَرِ؟ وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مِنْ زَكَاةٍ وَحَجٍّ وَكَفَّارَاتٍ، وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مِنْ دُيُونٍ وَوَدَائِعَ وَغَيْرِهَا لَا يَجِدُ إِلَى تَثْبِيتِهِمَا وَأَدَائِهَا سَبِيلًا إِلَّا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ كُلُّهَا، وَقَدْ جَوَّزَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بِلَا رَجُلٍ عَلَى الْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالْحَيْضِ وَالْحَبَلِ وَمَا أَشْبَهَ -[165]- ذَلِكَ لِلِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَالَّذِي يَحْتَمِلُهُ تَأْوِيلُ الْكِتَابِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَأَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا نَرَاهُمْ تَأَوَّلُوا بِقَوْلِهِ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 106] أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ لِلشَّمْسِ كَالْمَجُوسِ، فَإِنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَغُرُوبَهَا وَقْتٌ لِصَلَوَاتِهِمْ، عَرَفْنَا ذَلِكَ بِمَا رَأَيْنَا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ "