الحديث): من الناس من يرويه: (لا حسد إلا في اثنين) أي: في شيئين اثنين، ومنهم من يرويه: (إلا في اثنتين) أي في خصلتين.
(رجل): مجرورا على البدل من (اثنين)، ومن رواه (اثنتين)، فإنه يبتدئ فيقول: (رجل)؛ فكأنه يشير إلى الخصلتين بما يصفه في حال الرجلين، ويجوز أن يقام مقام المحذوف في الإعراب، والتقدير: خصلة رجل.
وقد اختلف رواة (كتاب البخاري) في هذه الألفاظ على ما ذكرناه.
وأوثق الروايات التي تروى: (إلا في اثنين: رجل) على البدل.
وقيل: الحسد فيهما بمعنى: الاغتباط، والظاهر أن المراد مدى صدق الرغبة وشدة الحرص. ولما كان هذان السببان هما الداعيين إلى الحسد، كني عنهما ب (الحسد).
ومعنى قوله: (لا حسد) أي: لا رخصة في شيء من أنواع الحسد إلا فيما كان هذا سبيله.
وقيل: إن الحسد في هذا الباب مرخص فيه، لما يتضمنه من المصلحة في الدين، وفي معناه نشيد أبي تمام الطائي:
......... وما حاسد في المكرمات بحاسد
والتأويل المستقيم هو الأول.
وقوله: (آتاه الله حكمة) فالحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل، ويحتمل أن يكون معناه: آتاه الله فقها في الدين.
[143] ومنه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات الإنسان ... الحديث):
سئل الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي- رحمه الله- عن هذا الحديث، وعن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجره وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)، وعن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل ميت يختم على عمله، إلا المرابط في سبيل الله؛ فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة)، فقيل: القسمان المذكوران في هذين الحديثين زائدان على الثلاثة المذكورة في حديث أبي هريرة؛ فكيف التوفيق بينهما؟
فكان من جوابه: أن السنة المسنونة من جملة العلم المنتفع به، والذي ذكر عن المرابط: فإنه عمله الذي قدمه في حياته، فينمو له إلى يوم القيامة، وأما الثلاثة المذكورة في حديث أبي هريرة: فإنها أعمال تحدث بعد وفاته× فلا تنقطع عنه؛ لأنه سبب تلك الأعمال، وهذه الأشياء يلحقه منها ثواب طارئ خلاف أعماله التي مات عليها× فإذا: لا اختلاف بين هذه الأحاديث، والله أعلم.