المباينة ما لا يخفى على عموم الناس فضلا عن خصوصهم. والمعنى إنما يؤخذ عن اللفظ، وعند اشتراك اللفظ عن القرينة التي يستدل بها عليه، والحديث إذا استبهم معناه فأقرب السبل إلى إيضاحه استيفاء طرقه، فإنها قلما تخلو عن زيادة أو نقصان أو إشارة بالألفاظ المختلف فيها رواية فيستكشف بها ما أبهم منه.
وفي بعض طرق هذا الحديث (كل غلام رهينة بعقيقته) أي: مرهون، يقال: مرهون ورهين، والهاء - هاهنا - لم تدخل للتأنيث، وإنما هي للمبالغة كقولهم: فلان كريمة قومه، والمعنى أنه [126/ب] كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر، ووظيفة الشكر في هذه النعمة ما سنه نبي الله ? وهو أن يعق عن المولود شكرا لله تعالى، وطلبا لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك [أن] سلامة المولود، ونشوءه عل النعت المحبوب رهينة بالعقيقة، هذا هو المعنى، اللهم إلا أن يكون التفسير الذي سبق ذكره متلقى من قبل الصحابي، ويكون الصحابي قد اطلع على ذلك من مفهوم الخطااب أو قضية الحال، ويكون التقدير: شفاعة الغلام لأبويه مرتهن بعقيقته، وفي لفظ هذا الحديث نظر وهو أن المرتهن هو الذي يأخذ الرهن، والشيء مرهون ورهين، ولم نجد فيما يعتمد عليه من كلامهم بناء المفعول من الارتهان، فلعل الراوي أتى به مكان الرهينة من طريق القياس.
وفيه (ويدمى) مكان (ويسمى) قلت: قد ذهب بعضهم في معناه إلى تدمية المولود بدم العقيقة المذبوحة عنه، وليس بشيء، فإن السنة في المولود يوم الذبح عنه أن يماط عنه الأذى، فكيف يؤمر بازدياده؟! وذهب بعضهم في تأويله إلى الختان، وليس ذلك أيضا مما يتبع؛ لما ذكرناه من السنة في الختان، مع أنه أقرب التأويلين، لو صحت الرواية فيه.
[3075] ومنه حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - سئل رسول الله ? عن العقيقة فقال: (لا يحب الله العقوق) كأنه كره الاسم.