تخمس الغنيمة، لكن تكون جملته معدة لمصالح المسلمين، ومجعولة لهم على تفاوت درجاتهم، وتفاضل طبقاتهم وذلك معنى قوله (إلا أنا على منازلنا من كتاب الله، وقسم رسوله) ويريد بقوله (من كتاب الله) أي: مما بينه بقوله سبحانه وتعالى: {للفقراء والمهاجرين} إلى آخر الآيات الثلاث من سورة الحشر، ومما دل عليه الكتاب من تفاضل المسلمين في ترتيب طبقاتهم وتعريف درجتهم كقوله سبحانه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} الآية. وقد قال بقوله الجمهور وممن يدور عليهم علم الفتيا إلا الشافعي - رحمه الله - ويريد (بقسم الرسول) ما كان يستعمله فيهم من مراعاة التمييز بين أهل بدر وأصحاب بيعة الرضوان وذوي المشاهد وأولي المرتبة وغيرهم، ومن المعيل والمنفرد والآهل والأعزب، وذلك معنى قوله (فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه) الحديث، وقدمه بكسر الكاف أي: سابقته في الإسلام، وبلاؤه أي: شجاعته وغناؤه في سبيل الله، وذلم فيما أبلى به في الحروب والمقامات المحمودة، والأصل فيه: استخراج ما كمن فيه من الجودة، وإظهار ما خفي منه من صدق النية. وتقدير الكلام: فالرجل يقسم له ويراعي قدمه في القسمة، أو الرجل ونصيبه على ما يقتضيه قدمه، أو الرجل وقدمه يعتبران، كقولهم: الرجل وضيعته، وفي كتاب المصابيح: (والرجل وقدمه) بالواو فليس بسديد رواية ومعنى، وإنما هو بالفاء (فالرجل وقدمه) على وجه التفسير لقوله: (إلا أنا على منازلنا من كتاب الله) [123/أ] وقسم رسوله).
وفيه: (فليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه) السرو: من ناحية اليمن، وإنما أضافه إلى حمير؛ لأنه محلتهم، وذكر سرو حمير لما بينه وبين الموضع من المسافة الشاقة، وذكر الراعي مبالغة في الأمر الذي أراده، وذلك لأن الراعي تشغله الرعية عن طلب حقه، ثم إنه غامض في الناس، قلما يعرف أو يؤبه به. وأراد بقوله: (لم يعرق فيه جبينه) أنه يأتيه عفوا صفوا، لم يمازجه كدر، ولم تكدره منة.