وقوله: (فاجتووا المدينة) أي استوخموها فكرهُوا المُقام بها [يقال:] جويت نفسي: إذا لم توافقك البلد، واجتويت البلد: إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة. وقد كان وقع يومئذ بالمدينة الموم وهو البرسام. وفي هذا الحديث (وقتلوا رعاتها) وفي غير هذه الرواية (وقتلوا الراعي) وهو أكثر الروايتين من كتاب البخاري. والمعتد به أنهم قتلوا الراعي لما في بعض طرق هذا الحديث (فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر). ويحتمل أن قد كان معهما رُعاة لآخرين فقتلوهم لتتفق الروايات. ولم يعرف ممن قتلوه غير راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسار مولاه وكان نوبيا فقتلوه وقطعوا [87/أ] يديه ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه، النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسار مولاه وكان نوبيا فقتلوه وقطعوا [87/أ] يديه ورجليه وغرزوا في لسانه وعينيه، فعاقبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر في الحديث. وكان قد بعث في طلبهم فئة من الأنصار وأمَّر عليهم كرز بن جابر الفهري.
يستدل بهذا الحديث من يرى أن يقتص من القاتل بمثل صنيعه. وأما من يذهب إلى حديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا قود إلا بالسيف) فإنه يرى أن حديث العرينيين ان قبل النهي عن المثلة، ولا أدرى أيحتمل تاريخ العرينيين هذا التقدير أم لا، فإن ذلك كان في شوال سنة ست من الهجرة، ثم إن في حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما قتل حمزة ومثل به: (لئن ظفرت بهم لأمثلهن بسبعين رجلا منهم) فأنزل الله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} فقال: بل نصبر) ورواه أبو هريرة كذلك. وهذا يدل على جواز المثلة يومئذ ومعنى قوله {بمثل ما عوقبتم به} أي: الواحد بالواحد، ونزول الآية بعد أحد. ولا شك أن المثلةحرمت بعد ذلك، غير أن معرفة تاريخ التحريم على التحقيق لم نجد إليها سبيلا، فإن كان أمر العرينين على ما ادعوه فهو وجه الحديث، وإلا فالوجه فيه أن يقال: إن هؤلاء ارتدوا وسفكوا الدم الحرام وأفرطوا فيه وقطعوا الطريق فللإمام أن يجمع بين العقبات في مثل هذه القضية، وكذلك قولنا في حديث اليهودي الذي أخذ أوضاح الجارية ورضخ رأسها بالحجارة.
(ومن الحسان)
[2569] حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - في حديثه (فرأينا حُمَّرةً) الحُمّر: ضرب من الطير كالعصفور، الواحد حُمَّرة قال الشاعر:
قد كنتُ أحسِبكم أسودَ خفيةٍ .... فإذا لصافٍ تبيضُ فيها الحُمَّر