كان راجعًا إلى إخلاص الدين وتنزيه التوحيد عن شوائب الشرك الخفيّ، فإنّه مأمور به في جميع الأديان القويمة، وسائر القرون الخالية، وإنما الوجه فيه - والله أعلم - أن نقول: قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث طلحة بن عُبيد الله - رضي الله عنه -: (جاء رجلٌ

من أهل نجد ثائر الرأس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...) الحديث (أفلح وأبيه إن صدق) وفي حديث فجيع العامريّ: (ذاك وأبى الجوع) وفي حديث أبي هريرة (لتنبّأنّه وأبيك) للرجل الذي سأله: (أي الصدقة خير).

أما قوله - في حديث طلحة -: (أفلح وأبيه) فقد زعم بعضهم أنّه تصحيف (والله) ونحن نرويه عن كتاب مسلم: (أفلح وأبيه) وعلى هذا فإنه ليس بحلفٍ، فإنّه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليحاف بغير الله، وقد أخبر أنّه شرك، وإنما هو تدعيم للكلام وصلة له، وهذا النوع [78/ب] وإنْ كان موضوعا في الأصل لتعظيم المحلوف به - فإنمهم قد اتّسعوا فيه، حتى كانوا يُدَعمون به الكلام ويُوصِلونه، وهذا النوع لا يُراد به القسم. ومنه قول ابن ميّادة:

أظنّت سفاهًا من سفاهة رأيها .... لهجوها، لا هجتني محاربُ

فلا وأبيها، إننيّ بعشيرتي .... ونفسي عن ذاك المقام لراغبُ.

فهذا وجه قوله: (أفلح وأبيه) إنّ صحّ وسلم من اختلاف الروايات، وكذلك في حديثي أبي هريرة - رضي الله عنه - وفجيع، إن ثبتا.

وأمّا غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن جمعه زمان النبوة؛ فإنّ بعضهم كانوا يحلفون بآبائهم؛ تعظيمًا لهم، وبعضهم عادة، وبعضهم عصبيَّة، وبعضهم للتوكيد، وقد أحاط بسائرها دائرة للنهيّ، وإن كان بعضها أهونّ من بعضٍ؛ لئلا يلتبس الحقّ بالباطل، ولا يكون مع الله محلوفٌ به، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن امتاز عن غيره بالعصمة عن التلفّظ بما يكاد أن يكون قادحا في صرف التوحيد، ولا يُشبه حاله في ذلك حال غيره، فالظاهر أنّ اتساعه في استعمال هذا اللفظ، قد كان قبل النهي ولم يعدْ إليه بعده؛ كيلا يقتدي به من لا يهتدي إلى صرف الكلام.

[2455] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي - رضي الله عنه -: (مَن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومَن قَذف مؤمنا بكفر فهو كقتله) ليس معنى قوله: (إنّه كقتلهِ) من سائر الوجوه، بل من وجهٍ دون وجهٍ، وهو أن الله - تعالى - كما حرّم قتل المؤمن، حرّم لعنه وقَذفه بالكفر، فهما في التحريم كقتله، إلاّ أن يكون مستحلا، فيستوي الأمر في سائرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015