[1944]: ومنه: حديث النعمان بن بشير - رضى الله عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات .... الحديث):
أراد: أن الشرع بين الحلال والحرام، وكشف عن المباح والحظور بحيث لا خفاء بالأصل الذي أسس عليه الأمر، وإنما تقع الشبهة في بعض الأشياء إذا أشبه الحلال من وجه، وأشبه الحرام من وجه؛ وذلك بالنسبة إلى الأكثر دون العموم؛ فإن من الأشخاص من لا يشتبه ذلك أيضا - إليه، إذا كان ذا حظ من العلم والفهم؛ نبئنا عنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يعلمها كثير من الناس).
فسبيل الشحيح بدينه، الستقصى لعرضه، إذا ابتلى بشيء منها: أن يتوقف حتى يأتيه البيان، ويتضح له الأمر، أو يعزم على تركه أبد الدهر؛ وهذا هو الأصل في الورع.
وفيه: (ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام):
الوقوع في الشيء: السقوط فيه، وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك، والمعني: أن ن يهون على نفسه الوقوع في الشبهات حتى يتعود ذلك - فإنه يقع في الحرام؛ لأنه حام حول حريم الحرام؛ فيوشك أن يواقعه.
وإنما قال: (وقع في الحرام)؛ تحقيقا لمداناته الوقوع؛ كما يقال: من أتبع نفسه هواها، فقد هلك.
ثم ضرب مثله بالراعي يرعي حول الحمي، وهو المرعي الذي حماه السلطان فمنع منه؛ فإنه إذا سبب ماشيته هناك لم يؤمن عليها أن ترتع في حمي السلطان؛ فيصيبه من بطشه ما لا قبل له به.
ثم ذكر أن حمى الله محارمه؛ ليعلم أن التجنب من مقاربة حدود الله، والحذر من التخوض في حماه: أحق وأجدر من مسجانبة حمى كل ملك، وأن النفس الأبية الأمارة بالسوء إذا أخطأتها السياسة في ذلك الموطن، كانت أسوأ عاقبة من كل بهيمة خليع العذار.
وفي قوله: (ألا إن في الجسد مضغة ..... إلى تمام الحديث).
إشارة إلى أن صلاح القلب وفساده منوط باستعمال الورع وإهماله.
[1945] ومنه: حديث رافع بن خديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث):