ومن باب الإحرام والتلبية
(من الصحاح)
[1763] حديث عائشة رضي الله عنها: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
الوبيص: اللمعان، يقال: وبص البرق وغيره، أي: لمع، والفرق معلم وسط الرأس، وهو الذي يفرق فيه الشعر.
وفي بعض الطرق من (كتاب مسلم): (في مفرق) على لفظ الواحد، و (في مفارق) على الجمع لفظ الكتابين: كتاب البخاري، وكتاب مسلم، وإنما جاء بها على لفظ الجمع، تعميماً لسائر جوانب الرأس التي بفرق فيها، أي: إن فتات الطيب كان يبقى عليها بعد أن يحرم، فكان يلمع فيها، والتطيب قبل الإحرام بما يبقى أثره بعد الإحرام مختلف فيه، وقد كان عمر أمير المؤمنين- رضي الله عنه- ينهي عن ذلك، وبه أخذ جمع من العلماء.
ووجه ذلك ظاهر، وهو أنا لمحرم إنما منع من التطيب حالة الإحرام، ليكون تفلاً متنكباً في إحرامه عن الترفه والتنعيم، وإذا وجد منه رائحة الطيب بعد الإحرام، خالف هديه المحرمين، وكان ابن عمر رذي الله عنه يتشدد- أيضاً- في ذلك.
ويحتمل: أن يكون الذي رأته عائشة في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوبيص كان لتدهنه بالدهن المطيب قبل الإحرام، وقد روى [29] مسلم في كتابه في بعض طرق هذا الحديث، عن عائشة، أنا قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك):
قلت: وأرى هذا الوجه من أولى ما يحمل عليه معنى الوبيص، لمكان هذا الحديث.
ويحتمل: أنه كان يتطيب بطيب، يبقى جزمه بعد زوال رائحته، وقد صح أنها قالت: (أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطاف في أزواجه، ثم أصيح) يعني: محرماً.
وقولها: (فطاف في أزواجه) كناية عن الإصابة منهن بعد التطيب، ويلزم منه أنه اغتسل بعد ذلك مرة واحدة إن لم يكن مرات كثيرة، وكان ذلك بالمدينة ثم خرج إلى ذي الحليفة، فاغتسل بها غسل الإحرام، فأي أثر يبقى بعد اغتساله كرة بعد أخرى.