عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} وقال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. قلت: وإنما وضع الاتخاذ موضع السؤال تحقيقا للرجاء، بأنه حاصل، إذ كان موعودا بإجابة الدعوة، ولهذا قال: (لن تخلفنيه) أحل [العهد] المسئول محل الشيء الموعود؛ ثم أشار إلى أن وعد الله لا يتأتى فيه الخلف، فإن الألوهية تنافيه، وفيه: (صلاة وزكاة) صلاة: أي رحمة ورأفة، يخصه بها، والصلاة ترد بمعنى الحنو والتعطف، ووضع ههنا موضع الترحم والرأفة؛ قال الله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} جمع بينها وبين الرحمة ليفيد معنى التكرار؛ أي كرة بعد أخرى، قال كعب بن مالك، رضي الله عنه:
صلى الإله عليهم من فتية .... وسقى عظامهم الغمام المسبل
وزكاة: أي طهارة لهم من الذنوب، ونماء وبركة في الأعمال. [181 م/ب].
[1537] ومن الحسان حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} .. الآية.
قلت: ذكر الآية بعد الحديث على وجه البيان له؛ لأن في الآية الأمر بالدعاء، والقيام بحكم الأمر هو العبادة، والعبد إذا سأل ربه وشكا إليه ضره، ورفع إليه حاجته فقد علم أن ربه مرغوب إليه في الحوائج، ذو قدرة على ما يشاء، وعلم أنه عبد ضعيف لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، واعترف بالفقر والفاقة والذلة لمن يدعوه فلذلك قال: (هو العبادة) ليدل على معنى الاختصاص، كما تقول لمن يحمي الحقيقة: هو الرجل، ثم أنه إذا رأى إنجاح الأمور من الله قطع أمله عمن سواه، ودعاه لحاجته موحدا، وهذا هو الأصل في العبادة. فإن قيل: قال الله تعالى: {ادعوني أستجب لكم}، وقد يدعى فما يستجيب فما وجه الآية؟
قلنا: المراد من الدعاء في الآية هو المستجمع لشرائطه؛ وقال بعض العلماء: (ادعوني أستجب لكم) أي بحسب نظري لكم، ورحمتي بكم؛ لا بحسب أمانيكم، ولا أهوائكم، صحت أو فسدت، حقت أو بطلت؛ لأن هذه الآية غير منفردة في القرآن عن أخرى فيها تبيانها، وهي قوله تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}، وقوله: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}. فربما دعا الإنسان ما يتضمن شرا ولا يشعر به، فدل الآيتان على أنه يستجيب الدعاء المستجمع بشرائطه.
وفي معنى هذا الحديث حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء مخ العبادة) فإن مخ الشيء خالصه، ومخ العظم نقيه، وكذلك مخ الدماغ، ومخ العين شحمها.