المعطوف عليه بقوله (يحاجّ العباد له ظهر وبطن) وهو كلام معترض يُنبّه السامع على جلالة شأنه وامتيازه عما سواه بمعانٍ كثيرة [عمن] شاركه في المعنى المذكور في الحديث.
وفيه (يحاجّ العباد) أي: يخاصمهم فيما ضيّعوه من حدوده وأحكامه ويطالبهم بما أهملوه من مواعظه وأمثاله ويجادلهم فيما حرّفوه عن وجهه بآرائهم وأبدعوا فيه من القول استنادًا لأهوائهم.
وفيه (له ظهر وبطن) قيل: الظهر ما ظهر بيانه والبطن ما احتيج إلى تفسيره، وقيل: ظهره تلاوته كما أنزل، وبطنه: التدبر له والتفكر فيه، وقيل: الظهر صورة القضيّة ممّا أخبر الله تعالى من غضبه على قوم وعقابه إياهم فظاهر ذلك إخبار عنهم، وباطنه عظة وتنبيه لمن يقرأ القرآن ويسمع من الأمة وهذا وجه حسن لولا اختصاصه ببعض دون بعض، فإن القرآن متناول لجُملة التنزيل وفي حَمْل قوله (له ظهر وبطن) على الوجه الذي ذكر تعطيل لما عداه وأرَى القول الوجيز في بيانه أن يقال: ظهره: ما استوى المكلفون فيه من الإيمان به والعمل بمقتضاه، وبطنه: ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد على حسب مراتبهم في الأفهام والعقول وتباين منازلهم في المعارف والعلوم.
قلت: وإنما أردف قوله (يُحاج العباد) بقوله (له ظهر وبطن) لينبّه على أن كلا منهم إنما يطالب بقدر ما انتهى إليه من علم الكتاب وفهمه. فإن قيل: أليس القسمان الآخران داخلين في جملة الكتاب الذي عهد إليهم ربهم في التمسك به فما فائدة التثني والتثلُّث بهما، قُلنا: نعم قد وجدنا الأمانة والرحم مما أمر الله تعالى في كتابه بحفظه، وإنما ذكر على الانفراد تأكيدًا لحرمتها ومبالغة في الوصية بحفظهما ويقرب من المعنى الذي ذكرنا، ذكر الكتاب مع الأمانة فإن العبد إذا تدين بحفظ الأمانة وأدائها لم يكن ليضيع كتاب الله فإنه من أعظم الأمانات، والأمانة في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال} مفسَّرة بأنها الواجب من حق الله تعالى والأمانة ما كان لازم الأداء من حق الله وحق العباد، ويكون بصدد أن يُخان فيه، والأمانة والخيانة نقيضان [175/أ]. يعرف أحدهما بالآخر والرحم استعيرت للقرابة بين الناس؛ لكونهم خارجين من رحم واحدة موجبة للرَّقة والحنوَّ.
[1478] ومنه: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام -: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ...) الحديث. الصحبة للشيء: الملازمة له إنسانًا كان أو حيواناً أو مكانًا أو زمانًا